Canalblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

مدونة عبد الله ورد

2 avril 2013

DSCN3331

DSCN3337

DSCN3338

DSCN3361

DSCN3383

Publicité
Publicité
9 décembre 2012

derf-11

derf22

derf33

derf44

8 décembre 2012

IMG_1387

16 août 2008

ماذا لو لم يظهر الإسلام

ماذا لو لم يظهر الإسلام

1_823796_1_3

عرض/ بدر محمد بدر

مؤلف هذا الكتاب هو نائب الرئيس السابق للمجلس القومي للمخابرات الأميركية، وهو مختص في التنبؤ الإستراتيجي على المدى الطويل, ويعمل حاليا أستاذا للتاريخ بجامعة سيمون فريز الكندية.

- الكتاب: ماذا لو لم يظهر الإسلام

- المؤلف: جراهام فولر

- المترجم: أحمد عز العرب

- عدد الصفحات: 46

- الناشر: مكتبة الشروق الدولية, القاهرة

- الطبعة الأولى 2008

والكتاب هو دراسة نشرت في مجلة السياسة الخارجية الأميركية قبل عدة أشهر, والمؤلف من المهتمين بالشرق الأوسط, ونشر له كتاب "مستقبل الإسلام السياسي" في العام 2003.

وفي المقدمة ينوه المترجم بأن المؤلف لم يكتب من منطلق التعصب ضد الإسلام أو العروبة, أو يحاول كرجل مخابرات محترف تحريض حكومته وحلفائها لشن حروب استباقية ضد العرب والمسلمين لخدمة الصهيونية العالمية, أو المخططات الاستعمارية الأميركية التي يمثلها المحافظون الجدد, بل هذا هو تصور فولر الشخصي للعالم لو لم تظهر فيه الديانة الإسلامية, كيف سيكون شكله, وما الصراعات التي كان يمكن أن تدور فيه؟

وقد يختلف القارئ مع ما كتبه المؤلف أو يتفق معه, ولكن يبقى من حق الكاتب أن نعترف بأن فكرته جديدة, بل وغريبة لم يسبقه أحد إليها من قبل.

العدو الجديد

في البداية يشير المترجم إلى الدور الحيوي الذي يلعبه الدين الإسلامي في كل المخططات الاستعمارية الغربية, باعتباره العدو الجديد الذي اصطنعه أباطرة الشر, لتبرير كل ما يرتكبونه حاليا من جرائم بعد سقوط الشيوعية -عدوهم الأول السابق- وتفكك الإمبراطورية السوفياتية.

كان لا بد للاستعمار الغربي الذي تقوده أميركا حاليا, من إيجاد عدو أول جديد تنسب له كل الشرور, وتبرر به كل الجرائم والمذابح التي يرتكبها الغرب في العالم, تحت ما يسمى بالحروب الاستباقية لمكافحة الإرهاب.

ورغم أن جميع الدلائل قد بدت تتكشف حول العالم بأن أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001, كانت صناعة أميركية بالغة التعقيد والدقة, مازال الكم الإعلامي الغربي الهائل يردد ليل نهار أن هذه المؤامرة المحكمة كانت من صنع أسامة بن لادن, الذي دبرها في مقره بكهوف جبال أفغانستان.

وظل الإعلام الغربي -كما يقول المترجم- يردد هذه الأكذوبة إلى درجة يكاد يستحيل تفنيدها, ويبدو أن الدكتور جوبلز وزير دعاية هتلر كان على صواب عندما قال لمعاونيه "اكذبوا وأمعنوا في الكذب واستمروا في ترديده حتى يظنه الناس, بل وحتى تظنوه أنتم صدقا".

ويرى المترجم في مقدمته الطويلة للكتاب أن الحروب العدوانية التي يشنها الغرب بزعامة أميركا على العالم العربي والإسلامي ليست فقط حروبا دينية, وإنما استعمارية أيضا للسيطرة على الدول المستهدفة ونهب مواردها.

ويجب ألا ينسى العرب أبدا أن الصراع العربي الإسرائيلي صراع وجود وليس صراع حدود, وأن النصر في النهاية سيكون من نصيب أصحاب الأرض الأصليين, بشرط أن يدفعوا ثمن حريتهم واسترداد حقوقهم, وأن تقودهم زعامات في مثل قامة سعد زغلول ونهرو وعمر المختار وعبد الكريم الخطابي ومصطفى النحاس ورياض الصلح وسلطان الأطرش, وعشرات غيرهم في مثل قامتهم.

"

الحروب الصليبية لم تكن سوى مغامرة غربية, مدفوعة أساسا باحتياجات سياسية واجتماعية واقتصادية, ولم تكن المسيحية سوى رمز قوي وصيحة للحشد الشعبي, لمباركة الاحتياجات الدنيوية للأوروبيين الأقوياء

"

تحديات في المنطقة

يتساءل المؤلف منذ البداية هل كان الغرب سينجو من التحديات التي يواجهها اليوم في منطقة الشرق الأوسط لو لم يظهر دين الإسلام قط. وهل كان الشرق الأوسط سيكون أكثر أمنا في هذه الحالة؟ وماذا عن شكل العلاقة بين الشرق والغرب عندئذ؟

لقد شكل الإسلام منذ البدايات الأولى للشرق الأوسط الكبير الأعراف الثقافية وحتى السياسات المفضلة لدى المسلمين, فكيف يمكننا أن نتصور الفصل بين الشرق الأوسط والإسلام.

ومرة أخرى يتساءل هل كان الانسجام مع الغرب سيسود منطقة الشرق الأوسط لو بقي هذا الشرق مسيحيا؟! موضحا أن هذا الافتراض فيه مبالغة كبرى, وإلا كان علينا افتراض أن أوربا المضطربة والتوسعية خلال العصور الوسطى كانت ستمتنع عن السير في طريق التوسع, وفرض هيمنتها على الشرق المجاور لها, بحثا عن المكاسب الاقتصادية والجيوسياسية.

ويقر المؤلف بأن الحروب الصليبية لم تكن سوى مغامرة غربية مدفوعة أساسا باحتياجات سياسية واجتماعية واقتصادية, ولم تكن المسيحية سوى رمز قوي وصيحة للحشد الشعبي, لمباركة الاحتياجات الدنيوية للأوروبيين الأقوياء.

وقد يقال إن الشرق الأوسط ربما كان أكثر ديمقراطية لو لم يكن الإسلام سائدا فيه؟ ولكن تاريخ الدكتاتوريات الأوروبية لا يطمئننا في هذا المجال.

فإسبانيا والبرتغال لم تتخلصا من دكتاتوريات قاسية, إلا في منتصف سبعينيات القرن العشرين, بل إن فرنسا وإيطاليا وألمانيا لم تعرف الديمقراطية الغربية المعاصرة إلا بعد الحرب العالمية الثانية, أي في النصف الثاني من القرن العشرين, ولم تخرج اليونان من قبضة دكتاتورية مرتبطة بالكنيسة سوى منذ عقود قليلة, ومازالت روسيا المسيحية بعيدة عن الديمقراطية, وهكذا.

إن الاحتلال الأميركي للعراق لم يكن أكثر قبولا لدى العراقيين لو كانوا مسيحيين, وأميركا لم تسقط صدام حسين الزعيم المتطرف في وطنيته وعلمانيته لأنه كان مسلما.

بل كانت الشعوب العربية الأخرى ستساند عرب العراق على أي حال في صراعهم مع الاحتلال حتى لو كانوا مسيحيين, فليس هناك شعب في العالم يرحب بالاحتلال الأجنبي وقتل مواطنيه على يد جنود الاحتلال الأجانب.

ويؤكد المؤلف أن الإسلام قوة توحيد من أقوى مستوى لمنطقة واسعة, وباعتباره ديانة عالمية شاملة أقام حضارة واسعة, اشتركت في كثير من مبادئ الفلسفة والفن والمجتمع ورؤية لحياة أخلاقية وشعور بالعدالة وفقها ونظام حكم صالح، كل ذلك في إطار من ثقافة عالمية عميقة الجذور.

كما ساعد الإسلام باعتباره قوة ثقافة وأخلاقية في عبور الفجوات والاختلافات العرقية بين الشعوب الإسلامية المختلفة, وشجعها على الشعور بأنها جزء من مشروع حضارة إسلامية واسعة, وهذا وحده يجعل له وزنا ضخما.

الأثر الجغرافي

يتضح أثر الإسلام في الجغرافيا السياسية في جنوب شرق آسيا, فلو لم يكن هناك إسلام، خاصة في باكستان وبنغلاديش وماليزيا وإندونيسيا كانت المنطقة ستصبح جزءا من عالم الهند الحضاري.

لقد قدمت الحضارة الإسلامية مثالا مشتركا, يستطيع كل المسلمين مناشدته باسم المقاومة ضد التغلغل الأجنبي, وحتى مع فشل هذه المقاومة في إيقاف الطوفان الاستعماري الغربي, فقد خلقت ذاكرة ثقافية عن مصير مشترك لم ينته أثره.

"

في عالم بدون إسلام كانت مهمة الاستعمار الغربي في تقسيم الشرق الأوسط وغزوه والسيطرة عليه وعلى آسيا ستكون أكثر سهولة كثيرا

"

لقد استطاع الأوربيون تقسيم العديد من شعوب أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية وغزوها, فسقطت فرادي أمام قوة الغرب, وكان من الصعب على هذه الشعوب تكوين جبهة مقاومة متحدة بينها, في غيبة عرقية أو ثقافة مشتركة في رموزها للمقاومة.

ويتصور المؤلف أنه في عالم من دون إسلام كانت مهمة الاستعمار الغربي في تقسيم الشرق الأوسط وغزوه والسيطرة عليه وعلى آسيا ستكون أكثر سهولة كثيرا.

فلم تكن عندئذ ستبقى ذاكرة ثقافية مشتركة من المهانة والهزائم في منطقة واسعة, وهذا هو السبب الرئيس اليوم في أن الولايات المتحدة تجد أسنانها تتحطم في العالم الإسلامي.

فاليوم خلقت شبكة الاتصالات الدولية والصور التي تنقلها الأقمار الصناعية وعيا قويا بين المسلمين, وشعورا بالحصار الغربي الأوسع حولهم على الثقافة الإسلامية المشتركة.

وهذا الحصار ليس بسبب التحديث, ولكن بسبب المحاولات الغربية التي لا تكل للسيطرة على المجال الإستراتيجي والموارد, بل وعلى ثقافة العالم الإسلامي, ومحاولة خلق شرق أوسط تابع لأميركا, ولسوء الحظ فإن أميركا تفترض في سذاجة أن الإسلام هو الحائل الوحيد الذي يقف في طريق حصولها على الجائزة التي تريدها.

ويرى المؤلف في تركيز الغرب على الإرهاب تحت اسم الإسلام أمرا يدل على ضعف الذاكرة, إذ استعمل رجال العصابات اليهود الإرهاب ضد البريطانيين في فلسطين, كما استعمل نمور التاميل من الهندوس في سريلانكا الإرهاب, وابتكروا فن الأحزمة الانتحارية.

ولجأ الإرهابيون اليونانيون إلى عمليات اغتيال ضد المسؤولين الأميركيين في أثينا, وكان الإرهابيون المقدونيون يثيرون الرعب في كل البلقان عشية الحرب العالمية الأولى, والقائمة طويلة, فمرتكب الإرهاب إذن لا يحتاج لأن يكون مسلما.

إرهاب آخر

ويورد المؤلف إحصائية حديثة للبوليس الدولي الأوروبي تقول إن العام 2006 وقع فيه 498 هجوما إرهابيا في دول الاتحاد الأوروبي، 424 هجمة منها قامت بها الجماعات الانفصالية و55 هجمة قام بها متطرفون يساريون, و18 هجمة من مختلف الإرهابيين, ولم تقع سوى هجمة واحدة من إسلاميين.

هذه الأرقام تكشف المدى الإيديولوجي الواسع للإرهابيين المحتملين في العالم.

فهل من الصعب تصور أن العرب سواء كانوا مسيحيين أم مسلمين ممن تغصب أرضهم إسرائيل أو الغزوات الاستعمارية المتكررة لبلادهم وإسقاط حكوماتها والتدخل في شؤونهم سيقدمون على استخدام عمليات مماثلة من الإرهاب وحروب العصابات؟

"

التاريخ لم يكن ليتخذ نفس المسار الذي اتخذه بالضبط لو لم يظهر الإسلام, ولكن في قرارة المشكلة يبقى النزاع بين الشرق والغرب صراعا قائما بسبب المسائل التاريخية والسياسية الكبرى في التاريخ الإنساني

"

وقد يكون السؤال الأدق هو لماذا لم تبدأ هذه العمليات من وقت طويل؟ إذ إن الجماعات المتطرفة تستغل مشاعر الكراهية في عصر العولمة, فلماذا نتوقع ألا تشن هجماتها في قلب العالم الغربي؟

ويقول المؤلف إذا كان الإسلام يكره الحداثة, فلماذا انتظر حتى الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول ليشن هجماته؟ ولماذا نادى كبار المفكرين المسلمين في بدايات القرن العشرين باحتضان الحداثة ونبهوا للحاجة إليها, حتى وهم يحمون الثقافة الإسلامية؟

بل إن المؤلف يعبر عن دهشته وذهوله من أن الغضب الإسلامي لم ينفجر بصورة ضخمة فوق الأرض الأميركية قبل الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001, رد فعل على الأحداث التاريخية والتراكمات الأخيرة لسياسات أميركا, ولو لم تحدث 11 سبتمبر/ أيلول لكان من المحتمل أن تحدث أحداث مشابهة لها في مكان ما في الغرب.

أسباب مختلفة للصراع

من المؤكد أن التاريخ لم يكن ليتخذ نفس المسار الذي اتخذه بالضبط لو لم يظهر الإسلام, ولكن في قرارة المشكلة يبقى النزاع بين الشرق والغرب بسبب المسائل التاريخية والجيوسياسية الكبرى في التاريخ الإنساني: الأمور العرقية والوطنية والطموحات والطمع والموارد والقادة المحليين والتسابق والمكاسب المادية والقوة والتدخلات وكراهية الدخلاء والغزاة والاستعماريين.

فعندما يواجه الإنسان مثل هذه الأمور المستمرة كيف يمكن تجنب تجنيد قوة العقيدة الدينية؟

ويذكرنا المؤلف بأن كل الأهوال الرئيسة التي ظهرت في القرن العشرين جاءت كلها تقريبا من أنظمة علمانية، منها: ليوبولد الثاني ملك بلجيكا وهتلر وموسوليني ولينين وستالين وماو تسي تونغ وبول بوت في كمبوديا وغيرهم.

لقد كان الأوروبيون هم الذين فرضوا حروبهم العالمية مرتين على دول العالم.. نزاعين عالميين مدمرين لا مثيل لهما من قريب أو بعيد في التاريخ الإسلامي.

المصدر: الجزيرة

16 août 2008

أنور إبراهيم والمخاض الماليزي الصعب

أنور إبراهيم والمخاض الماليزي الصعب

محسن محمد صالح

تغيرات ذات دلالات

مسيرة الصعود الأول

في السجن والعزل السياسي

الصعود الجديد لأنور

ماذا يحمل المخاض؟

يبدو أن الزعيم الماليزي السابق (وربما القادم) أنور إبراهيم يسعى لتطبيق مقولة "من يضحك أخيرا يضحك كثيراً"!!

فهذا الزعيم الذي عايش موجات صعود وهبوط ألقت به في بلاط الحكم كما ألقت به في غياهب السجون، عاد مؤخرا ليمتطي موجة صاعدة، بعد نحو عشر سنوات من الإبعاد السياسي القسري، قضى نحو ستة منها في السجن. وكالعادة فإن له معارضين كثرا يسعون إلى تكسير موجته قبل بلوغ أهدافها، غير أن خبرته السياسية وشخصيته الكاريزمية وتحسن الأداء الانتخابي لحزبه، و"مظلوميته"، وضعف شخصيات خصومه، أسهمت في إرباك الوضع الداخلي الماليزي، ووفرت فرصا جديدة لصعود نجم أنور إبراهيم.

تغيرات ذات دلالات

حملت الأشهر الأخيرة اضطرابا غير معهود في الوضع الداخلي الماليزي، ففي مارس/ آذار 2008 فقد التحالف الحاكم لأول مرة منذ استقلال ماليزيا سنة 1957 أغلبية الثلثين في البرلمان، وتمكن بالكاد من الحصول على 51% من أصوات الناخبين وعلى 63% من مقاعد البرلمان. وتمكنت المعارضة من الحصول على 49% من الأصوات ومن مضاعفة عدد مقاعدها نحو أربعة أضعاف (من 21 إلى 82 مقعدا). وقفز عدد مقاعد حزب العدالة الذي يتزعمه أنور إبراهيم من مقعد واحد إلى 31 مقعدا، ليصبح حزب المعارضة الأول في ماليزيا. " حزب العدالة الذي يقوده أنور إبراهيم يحاول أن يقدم إجابات مقنعة ومطمئنة من خلال تقديم نموذج الحزب الواحد متعدد العرقيات والأديان، بخلاف نموذج التحالف الحاكم الحالي المبني على تجمع لأحزاب ذات قواعد طائفية أو عرقية " بالنسبة لغير الماليزيين، قد لا تحمل هذه المتغيرات دلالات كبيرة، لكن نتائج الانتخابات كانت أقرب إلى الزلزال السياسي، إذ إن معادلة النظام السياسي الماليزي ظلت تعتمد في استقرارها وتماسكها على قدرة التحالف الحاكم (الجبهة الوطنية) على المحافظة على غالبية الثلثين التي تمكنه من تغيير الدستور، وتمكنه من إدارة مريحة للوضع الديني والعرقي الحساس والمعقد في ماليزيا. ويضم التحالف الحاكم عادة أقوى الأحزاب وأكثرها شعبية وسط المسلمين الملايو (حزب أمنو، وهو العمود الفقري للتحالف)، ووسط الصينيين (أم سي إيه) ووسط الهنود (أم أي سي) والأحزاب الأقوى في صباح وسراواك. وبالنسبة للنظام فإن هذا يشكل صمام أمان سياسي واجتماعي وأمني واقتصادي. وهو بالتالي يتعامل بحساسية مع صعود أي أحزاب معارضة تتسم ببعد طائفي أو عرقي يميل إلى التشدد، ما قد يهدد الاستقرار الدقيق في البلاد. غير أن حزب العدالة الذي يقوده أنور إبراهيم يحاول أن يقدم إجابات مقنعة ومطمئنة من خلال تقديم نموذج مختلف هو نموذج الحزب الواحد متعدد العرقيات والأديان، بخلاف نموذج التحالف الحاكم الحالي المبني على تجمع لأحزاب ذات قواعد طائفية أو عرقية. ولذلك فإن المنطق الذي يمارسه التحالف الحاكم في تخويف الماليزيين حول استقرارهم السياسي والاجتماعي في حال فوز حزب عرقي أو طائفي لا ينطبق على حالة حزب العدالة، وهو ما يعني أن حزب العدالة قد يمثل خطرا جديا مستقبليا على التحالف الحاكم.

مسيرة الصعود الأول

أنور إبراهيم المولود في 10/8/1947 كان أحد المشاركين في اضطرابات مايو/ أيار 1969، وأحد قادة الشباب المطالبين بحقوق الملايو المسلمين. وفي أوائل السبعينيات من القرن العشرين تولى رئاسة حركة الشباب المسلم الماليزي (أبيم) التي تأثرت بأفكار الإخوان المسلمين والجماعة الاسلامية في باكستان، وتمكنت من ضم الآلاف من الشباب المتحمس المتعلم إلى صفوفها، ونشطت في المعارضة. غير أن محاضر محمد قام عندما تولى رئاسة الوزراء سنة 1981 باستيعاب أنور إبراهيم إلى جانبه في حزب أمنو سنة 1982، حيث فاز بمقعد في البرلمان وتولى منصب عمدة كوالالمبور، وسرعان ما أصبح وزيرا لللشباب والرياضة، ثم وزيرا للتعليم، ثم وزيرا للمالية، ثم نائبا أول لرئيس الوزراء ولرئيس حزب أمنو (1993-1998). وقد تمكن أنور من تكوين تيار قوى مؤيدة له وسط حزب أمنو أقرب إلى الميول الإسلامية المعتدلة المحافظة، في مواجهة تيار آخر قوي هو التيار العلماني في الحزب نفسه. وكان واضحا أن أنور سيكون رئيس الوزراء القادم، وهو ما كان يؤكده محاضر نفسه.

في السجن والعزل السياسي

وفي وسط الأزمة الاقتصادية التي كانت تعيشها ماليزيا سنة 1998 دخلت البلاد في عاصفة سياسية عندما قام محاضر في 2/9/1998 بطرد أنور من منصبه نائبا له ووزيرا للمالية، ثم تمت إقالته في اليوم التالي من منصبه نائبا لرئيس حزب أمنو وطرد من الحزب. لكن أنور الذي خسر فجأة كل شيء بدأ حملة شعبية واسعة ضد الإجراءات، في الوقت الذي تصاعدت فيه الشكوك في الرواية الحكومية حول الخلفيات الحقيقية لطرده، وحدث شرخ هائل في أوساط الملايو المسلمين. " طرد أنور من الوزارة والحزب ومحاكمته أحدثت أزمة ثقة لدى الملايو بالحزب الحاكم (أمنو)، غير أن عددا من العوامل ساعدت الحزب على استرجاع مكانته، أبرزها شخصية محاضر القوية، ونجاحه في الخروج بماليزيا من أزمتها الاقتصادية " غير أن السلطة سارعت بالقبض عليه وتوجيه تهم ضده بالفساد المالي وبممارسة اللواط، وهو ما نفاه أنور وعده مؤامرة دنيئة لتشويهه وتدمير مستقبله السياسي. ظهر في محاكمة أنور عدد من الإرباكات والثغرات، واشتهرت صورة أنور وهو يلوح بيده، بينما تبدو آثار كدمات حول عينيه من جراء الضرب أو التعذيب. وقد عزز ذلك آراء قطاعات واسعة من الماليزيين أن محاكمة أنور هي سياسية بالدرجة الأولى. وقد حُكم على أنور بالسجن ستة أعوام لاتهامه بالفساد، وبتسعة أعوام أخرى لاتهامه باللواط، بينما شككت منظمة العفو الدولية ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومن رايتس ووتش) بنزاهة المحاكمة. وقد عبرت قطاعات واسعة من المجتمع الماليزي (وخصوصا الملايو) عن تعاطفهم مع أنور من خلال انتخابات 1999، فخسر أمنو 21 مقعدا من مقاعده الـ93 في مجلس النواب، وهزم في الانتخابات أربعة وزراء، وستة نواب وزراء وكثيرا من قيادات الحزب الحاكم، واضطر أمنو للاعتماد بشكل متزايد على أصوات الصينيين والهنود لضمان فوز مرشحيه. كان من الواضح أن طرد أنور ومحاكمته قد أحدثت أزمة ثقة لدى الملايو بالحزب الحاكم (أمنو)، غير أن عددا من العوامل قد ساعدت أمنو على استرجاع مكانته، أبرزها شخصية محاضر القوية، ونجاحه في الخروج بماليزيا من أزمتها الاقتصادية، وعدم قدرة المعارضة على تشكيل تحالف مقنع في ذلك الوقت يكون بديلا عن التحالف الحاكم، وحالة التراجع التي شهدها حزب العدالة في الفترة 1999-2004 مع استمرار أنور في السجن، وبسبب خلافات الحزب الداخلية، وانسداد آفاق التغيير أمامه. ثم إن استقالة محاضر في 31/10/2003 فتحت المجال أمام خليفته عبد الله بدوي ليخوض الانتخابات في ربيع 2004 مسلحا بإنجازات الحكومة، وبسمعته الشخصية، ومتخففا من وطأة الثقل الملقى على كاهل محاضر نتيجة موقفه من أنور. وقد مكن ذلك أمنو والأحزاب المتحالفة معه من تحقيق فوز كاسح، حيث حصدوا نحو 90% من مقاعد البرلمان، بينما لم يحصل حزب العدالة إلا على مقعد واحد.

الصعود الجديد لأنور

في 2/9/2004 وفي الذكرى السادسة لطرد أنور من الحكومة قضت المحكمة العليا في ماليزيا ببطلان الحكم على أنور في قضية اللواط، وبما أنه قد أكمل الحكم عليه بالفساد المالي، فقد أطلق سراحه. وقد أعطى هذا الحكم الكثير من المصداقية لأنور، وقوى الشكوك لدى الماليزيين بالخلفيات السياسية للاتهامات الموجهة إليه، وقد كان ذلك فاتحة لانطلاقة جديدة لأنور. وقد أفاد أنور من العديد من الظروف والتطورات في العودة التدريجية لنجمه السياسي، إذ لم يطل "شهر عسل" رئيس الوزراء الجديد عبد الله بدوي، فقد لاحظ الماليزيون أنه لم يتمكن من ملء الفراغ الذي تركه محاضر، وأنه لم يكن يملك مثل شخصيته الكاريزمية ولا إمكاناته القيادية، وأخذت تذوي شعارات بدوي التي رفعها لتبني الشفافية ومكافحة الفساد، في الوقت الذي أخذت تلاحق بعض أعضاء حكومته والمقربين منه الاتهامات والشبهات. " مع استقالة زوجته من مقعدها البرلماني لتتيح له المنافسة شبه المضمونة للحصول على مقعدها يبرز أنور قائدا فعليا ورسميا للمعارضة, وهو ما أثار مخاوف الحزب الحاكم الذي جدد الاتهامات القديمة له " وتصاعدت حالة الضيق من مظاهر ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم، ومن إفادة طبقة منتفعين محدودة من الازدهار الاقتصادي. وتمكنت وسائل "الإعلام البديل" مثل مواقع الإنترنت ووسائل الإيميل والبلوغرز وغيرها من نقل صورة مخالفة للصورة التي ينقلها الإعلام الرسمي، ومن التعبير عن قوى المعارضة بشكل أكثر فعالية. وتعرض عبد الله بدوي لهجوم شخصي عنيف من محاضر الذي أبدى ندمه على تعيينه خليفة له، وتصاعد هذا الهجوم بعد أسوأ أداء انتخابي للحزب الحاكم في تاريخه في مارس/ آذار 2008، بل إن محاضر أعلن انسحابه من حزب أمنو أداة للضغط على بدوي للاستقالة، داعيا قيادات الحزب الآخرين إلى أن يحذوا حذوه. لم يستطع أنور المشاركة في الانتخابات الأخيرة بسبب الحظر السياسي عليه، لكنه أخذ يستعيد تألقه السياسي، خاصة مع انتهاء الحظر في هذه الأيام، ومع استقالة زوجته من مقعدها البرلماني لتتيح له المنافسة شبه المضمونة للحصول على مقعدها في انتخابات تجرى في سبتمبر/ أيلول 2008، وهو ما يتيح لأنور البروز قائدا فعليا ورسميا للمعارضة. وقد أثار أنور مخاوف الحزب الحاكم بإعلانه أنه سيكون رئيس الوزراء القادم في وقت قريب، وأن عددا من نواب وسياسيي الحزب الحاكم سينضمون إليه. ومن جهة أخرى فإن نائب رئيس حزب أمنو والتحالف الحاكم نجيب رزاق وجد نفسه وزوجته في دائرة الاتهام في قضية مقتل فتاة منغولية، حيث يدور لغط كبير حول الموضوع، خاصة بعدما تحدث محقق خاص عن علاقة جنسية بين نجيب والفتاة. ثم قام المحقق في اليوم التالي وعلى نحو مفاجئ بالتراجع عن أقواله (تحت الضغط كما يشاع)، ثم اختفى تماما!! وتكمن المشكلة هنا في أن نجيب هو المرشح الوحيد تقريبا لخلافة بدوي الذي أعلن أنه سيتنحى في العام 2010. وهو ما يعني إتاحة فرص أفضل لأنور وحزبه. ويمكن في مثل هذه الأجواء (كما يرى عدد من المحللين) فهم الحملة القاسية الجديدة ضد أنور، وتجديد الاتهامات له باللواط، وذلك لقطع الطريق أمام صعوده من جديد. فقد اتهم المساعد الشخصي لأنور وهو شاب في الخامسة والعشرين أنور بفعل الفاحشة به. غير أن مؤيدي أنور يرون أن هذا الشاب كان مجرد عميل استخدمه خصوم أنور لتدمير صورته من جديد. ويؤكدون أن الفحص الطبي للشاب أثبت أنه لم يتعرض للواط وبالتالي أثبت براءة أنور، ويقولون إن الشرطة أنكرت صحة تقرير الطبيب، وإنها أجبرت المستشفى على إصدار بيان مختلف.

ماذا يحمل المخاض؟

" لا يظهر أن الاتهامات القديمة الجديدة لأنور ستتمكن من هز صورته، خاصة وأنها قد فقدت الكثير من مصداقيتها. ومن الواضح أن خصومه يواجهون وقتا صعبا, غير أنه من السابق لأوانه توقع أن يحقق أنور اختراقا كبيرا في الفترة القريبة القادمة " لا يظهر أن الاتهامات القديمة الجديدة لأنور ستتمكن من هز صورته، خاصة أنها قد فقدت الكثير من مصداقيتها، ومن الواضح أن خصوم أنور يواجهون وقتا صعبا، غير أنه من السابق لأوانه توقع أن يحقق أنور اختراقا كبيرا في الفترة القريبة القادمة. إذ إنه يواجه تحالفا حاكما قاد ماليزيا منذ استقلالها قبل أكثر من نصف قرن وحقّق إنجازات تنموية واقتصادية هائلة، وفرض معادلته الخاصة في العلاقة بين الأعراق والأديان لضمان الاستقرار والأمن، ولا يزال يحتفظ بأغلبية برلمانية مريحة. يتحدث البعض عن قيام أنور بعودة "مظفرة" إلى حزب أمنو ليعيد الروح إليه من جديد، وهو ما يستبعده آخرون. غير أن على أنور إذا ما أصر على تقديم وصفته الإصلاحية من خلال حزب العدالة أن يتمكن من إقناع الناخب الماليزي بأن إنهاء المعادلة السياسية التي حكمت البلاد منذ استقلالها لن تؤثر على الاستقرار السياسي والأمني ولا على الازدهار الاقتصادي. وعلى المدى القريب فالخيار المتاح أمام أنور هو إما انضمام أعداد من قيادات حزب أمنو إلى صفه، وحدوث حالة انحلال في التحالف الحاكم، وإما حصول انتخابات عامة جديدة تدفعه إلى سدة الحكم.

كاتب فلسطيني

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/9E977395-7145-406D-B1E2-EC1D0B38BC67.htm#5

Publicité
Publicité
10 août 2008

ملامح عامة في الشعب الياباني

معلومات عن اليابان ...

·    تقع اليابان في شمال شرق آسيا بين شمال المحيط الهادئ وبحر اليابان. مساحة اليابان هي 377873 كيلومترا مربعا،وهي بنسبة 1 إلى 25 من مساحة الولايات المتحدة (أصغر قليلاً من كاليفورنيا)، ،وتشغل الجبال ثلاثة أرباع مساحة البلد، أما المساحة المتبقية فهي من السهول والبحيرات..

العاصمة : عاصمة اليابان طوكيو وتتكون اليابان من سلسلة طويلة من الجزر تمتد إلى 3000 كيلومتر مربع من الشمال إلى الجنوب. والأربع جزر الرئيسية هي هوكايدو، وهونشو، وشيكوكو، وكيوشو . أما أهم المدن في طوكيو وأوساكا وناغويا وكوبي وهيروشيما .

·      اللغة :  فليس هناك سوى لغة رسمية واحدة في اليابان ، التي هي بالطبع اليابانية . بيد أن العديد من اليابانيين قادرون على فهم الانجليزية إلى حد ما نظرا لأن اللغة الانجليزية هي اللغة الأجنبية التي يجب أن يتعلمها الجميع كجزء من التعليم الإلزامي.

·      الديانة: الديانة السائدة في اليابان " البوذية " , التي يبلغ المنتمين إليها حوالي 90 مليون نسمة , والمسيحية حوالي المليون , وبين الديانات الأخرى يبلغ الإسلام في اليابان ( حسب توقعات المركز الإسلامي في اليابان ) حوالي 255 ألف مسلم ومسلمة بينهم 50 ألف ياباني ويابانية أي حوالي 2%.

http://www.benaa.com/Read.asp?PID=693162&cnt=-2&Sec=0#0

10 août 2008

الاستقلال والتبعية في الحوض العربي ـ الإسلامي .. رؤية نهضوية

ليست الأزمة العربية الحالية بوجوهها المتعددة (سياسية وثقافية واقتصادية .. الخ) نتاج إشكاليات حديثة الجذور ، أو أخطاء أو هفوات في خيارات الأمة السياسية أو الأيديولوجية . إنها أزمة لا تتعلق بالإرادة الذاتية بشكل خاص ، وبالتالي فإنها لن تحمل بمجرد تغيير قناعات معينة ،وهي أزمة يقع نصف عبئها علينا كأمة وقيادات ولكن نصفها الآخر ، بل اكثر من النصف ، يقع على الآخر ـ الغرب ـ كنظام وثقافة وسياسة.

إن جذور هذه الأزمة تعود الى اكثر من قرنين من الزمان ، بل إن ما يتعلق بنا فيها يعود الى زمن أبعد من ذلك . فقد كانت بدايتها في لحظة الخلل في ميزان القوى بين عالم الإسلام ، والدولة العثمانية منه بشكل خاص ، وبين أوروبا الغربية والصناعية الإمبريالية الناهضة مدنياً والجائعة للسيطرة والنهب.

إن السؤال حول ما إذا كانت الأمور تتعلق بتقدم غيرنا وتأخرنا وانحطاطنا ، أو أن الآخر مارس النهب والسيطرة فاستقوى علينا ، ليس لأننا تأخرنا بل لأننا لم نحمل داخلنا بذرة السيطرة والنهب ، قد أصبح سؤالا أكاديميا الآن أكثر منه مدخلا لحل الأزمة. ذلك أن الأمر الأهم أن أمتنا في المرحلة التالية للعصر السلجوقي ،ومنذ حوار الغزالي ـ ابن رشد الشهير ، مالت لتعطيل ما هو عقلاني في وعيها الجمعي حتى ضعف وانزوى ، وربما كان التأخر التكنولوجي هو السبب الرئيسي في الضعف والانزواء .. بل يمكن التدليل على أن المستوى التكنولوجي بمعناه الأعم لم يكن على درجة من السوء بالشكل الذي درجنا على تصويره ، ولكن تعطيل العقلانية ، ودور الفكر في صناعة السياسة أدخل عصياً غليظة في آلية اتخاذ القرار السياسي، مما عطل هذه الآلية ووصمها بالجمود ، وجعل صنع القرار حكراً في أيدي جهاز الحكم (بمعناه الضيق كسلطة أبوية فوقية) وبالتالي في أيدي القوى الهابطة تاريخيا ، ونفي وغرب القوى الصاعدة عن المشاركة في السلطة (بمعناها الأوسع )، مما جعل الدولة التقليدية تعيش في عزلة شعبية وتفقد قدرتها على تمثيل الفكر الجمعي للأمة، وجعلها تلجأ للآخر في تقوية وجودها، مما أدى في النهاية الى سهولة وقوعها في الاستعمار المباشر الذي جرت إليه الأوطان والشعوب. ولذا جاءت صدمة المواجهة بيننا وبين أوروبا الحديثة ، أوروبا حاملة المشروع ، في نهاية القرن الثامن عشر وبداية الذي يليه صدمة مضاعفة الأثر فلم نجد الآخر أقوى وأكثر تعقيدا وتقدما فحسب ، بل كنا عاجزين عن أن نجدد أنفسنا فيما كانت السمات والدوافع الإمبريالية لأوروبا لا تسمح بتجديد ذاتنا وبنائها على نسق يحصن بلادنا وشعوبنا أمام أساطيل الآخر وثقافته وقناصله وتجارته.

إن هذا ما يجعل الأزمة التي تواجه الأمة اليوم أعقد من أية أزمة واجهتها منذ ظهور الإسلام. فلم يعد الأمر يتعلق بتحديد خيارات جديدة للأمة، بل بإعادة بناء كامل لها. ولم يعد الأمر يتعلق بإرادة تحرير وتصنيع في بلادنا فحسب ، بل بنضال طويل ومرير يقنع الآخر ـ الغرب ـ سلماً أو حرباً بأن نظامه مشوه ومعاد للإنسان، وأن العلاقة بيننا وبينه يجب تشكيلها وبناؤها من جديد وعلى أسس جديدة. كما لابد أن تناضل الأمة داخليا ضد كل مراكز القوى السياسية وغيرها، التي ارتبطت بهذه العلاقة المشوهة بيننا وبين الغرب وربطت مصيرها بها ، وهو ما يتطلب القدرة والجرأة على التجديد من الداخل بقراءة معطيات الواقع من أجل تفكيك نظرية البنية الاجتماعية وبنية السلطة، وهو ما يؤدي الى النجاح في وضع خطة منهجية فكرية لا تقوم على نسخ التجارب الأخرى ، بل على ربط الموروث الذهني الفاعل اجتماعيا ـ وهو في حالتنا العقيدة الإسلامية ـ مع العلاقات الميدانية السارية (نظام تعليمي اقتصادي، اجتماعي ، سلطوي) حتى نخرج من مأزق انفصام الشخصية والنفاق بين ما هو رسمي وما هو شعبي.

التبعية تاريخياً

استؤنف الرد الأوروبي العسكري على العالم الإسلامي منذ القرن السادس عشر من قبل أسبانيا والبرتغال ، ولكن محاولتهما لكسب مواقع قدم ثابتة وواسعة في بلادنا أجهضت . ثم عادت الكرة في القرن التالي على جبهة المواجهة مع روسيا القيصرية التي توسعت في القرم ثم عادت في القرن الثامن عشر لتستولي على معظم القرم وعلى رومانيا وشواطئ البحر الأسود. ومنذ مطلع القرن التاسع عشر بدأت خسائر المسلمين الواحدة بعد الأخرى ، فقد انسحب العثمانيون من اليونان وخسروا معظم المغرب العربي ومصر والسودان وسواحل البحر الأحمر وقبرص لصالح بريطانيا وفرنسا ، في حين استولت الأولى على الهند وساحل الخليج وبحر العرب وعدن. وما إن انتهت الحرب العالمية الأولى حتى كان العالم الإسلامي كله محتلاً ما عدا السعودية وتركيا الحديثة وإيران.

ولكن نظام السيطرة الأجنبية كان له وجه آخر . ففي ثلاثينات القرن الماضي ، ومع دخول السفن التجارية الى أساطيل التجارة الأوروبية ، فرضت القوى الاستعمارية على الدول العثمانية تخفيضا حادا في رسومها الجمركية ، وتدفقت السلع الى أسواق بلادنا لتعود السفن الغربية محملة بمدخرات الأمة وبالذهب والفضة. ومع نهاية القرن كانت قيمة الواردات الى بلادنا قد تجاوزت الصادرات فانهارت الحرف والصناعات المحلية حتى أصدرت حكومة الاتحاد والترقي قانونا رسمياً في 1913 بإلغاء الروابط الحرفية ، وقوضت بالتالي أحد أعمدة نظامنا الاجتماعي وأحد أهم الأدوات التي كان يمكن أن تشكل نواة نهوضنا الصناعي الحديث.

ولكن المشكلة الجهورية كانت في رد فعلنا الفكري والثقافي . فلأن السياسي اصبح منذ زمن بعيد في تاريخنا يحتل الموقع الأعلى والمتقدم فقد كان رد الفعل الأول على أزمة احتلال ميزان القوى مع أوروبا في القرن الماضي هو رد فعل رجال السياسة والحكم. أحمد وفيق باشا وخير الدين التونسي ورجال حقبة التنظيمات العثمانية هم الذين وضعوا بذور تصورنا الفكري لتلك المرحلة.. هم الذين قالوا إن الحل يأتي بتوفيق أو تركيب بين موروثنا الفكري وقيم أوروبا الجديدة. وغاب عنهم وعن الجيل التالي لهم مثل على مبارك ومحمد عبده وجيل الحركة الإصلاحية بشكل عام ، أن نهوض الأمم لابد أن يقوم على قيم أساسية أصيلة وأن أوروبا الجديدة كانت تحمل مشروعاً للاستعمار والهيمنة والسيطرة ، وأنها لن تسمح لعالم الإسلام أن ينهض من خلال الاستعانة بها صناعياً وإدارياً وعسكرياً.

وقد تداعى هذا الخطأ الأولى في العقود التالية إلى أن برزت قوى واتجاهات تنادي صراحة بالتخلي عن كل موروث والخضوع الكامل لقيم الغرب ومنظوماته، وغاب عن هؤلاء أن التاريخ ـ قيمه وحديثه ـ لم يشهد أمة نهضت بالركوع أمام عدوها، بل العكس ، إن مثل هذا الخيار أدى إلى أن تنتهي أمم بأكملها وتنقرض حضارياً وثقافياً وفي أحيان أخرى بشرياً. من ناحية أخرى ، ومنذ انطلق المشروع الاستعماري الأوروبي ، أدرك صناع القرار الأوروبيون في لندن وباريس ـ وحتى في فيينا
وبطرس بورج ـ الأهمية الجيوبولوتيكية لقوس المتوسط الجنوبي الشرقي ، أي مصر و فلسطين . وبعد محاولة محمد على الجريئة في ثلاثينات القرن الماضي أدركت لندن بشكل خاص أن تأمين إمبراطوريتها النامية في آسيا وأفريقيا يستدعي تأمين المفصل المصري ـ الفلسطيني . لقد بدأت الدعوات لتأسيس كيان قومي يهودي في فلسطين منذ 1840 على يد رئيس وزراء بريطانيا (بالمرستون) وذلك قبل نصف قرن من تأسيس الحركة الصهيونية. ولم يكن غريبا بالتالي أن يكون القرار السياسي الأول ـ أي وعد بلفور ـ بتأسيس الكيان الصهيوني في 1917 هو قرار بريطاني . فيما بعد اكتشف النفط في بلادنا ، ونهضت حركة تحرر وطني في معظم أقطارنا ، فاضطرت القوى الاستعمارية إلى أن تتراجع تراجعا تكتيكيا:أن تنسحب بجيوشها وأساطيلها في معظم بلادنا ، على أن يستمر نظام الهيمنة والسيطرة مرتكزا على عدة أنظمة فرعية:

1ـ تجزئة العالم الإسلامي ، وخاصة قلبه العربي ، إلى وحدات متصارعة مقطوعة عن بعضها البعض، يشعر كل منها بالحاجة للأجنبي.

2ـ تسليم مقاليد دولة الاستقلال الى نخبة متغربة ، أو صديقة ، أو حتى عميلة للعواصم الغربية الاستعمارية ، وإحاطة هذه النخبة بقطاع واسع من الكتاب والصحافيين والتجار ورجال الفكر والتعليم والإدارة الذين لا يعرفون مرجعية لهم سوى المرجعية الحضارية الغربية ، سواء كان ذلك بحسن نية أو سوئها.

3ـ منع المنطقة وخاصة كياناتها الكبرى ، سلماً أو حرباً ، من إنجاز أهداف النهوض المدني وتحقيق المنعة العسكرية ، واستغلال الثروات لصالح الشعوب ومستقبلها ، بل قامت الدول الاستعمارية ـ ومازالت ـ بالعمل على امتصاص هذا الفائض في سوق واقتصاد وحركة نهوض الكيانات الأخرى . كما استخدمت القوى الغربية ثقلها الصناعي وسيطرتها على المنظومات النقدية والاقتصادية العالمية لأحكام ارتباط اقتصاد بلادنا بعجلة الاقتصاد والنقد الغربي.

4ـ جاء إنشاء "دولة إسرائيل" في البداية كضمان للممرات الاستراتيجية في المنطقة واستجابة للمصالحة التاريخية بين اليهودية والمسيحية الأوروبية البروتستانية ، ولكنها تحولت فيما بعد الى حارس لنظام التجزئة وأداة قمع في يد السيطرة الغربية ضد القوى والأنظمة "الراديكالية" أو الداعية للتحرر من هيمنة الخارج ، ويراد لها في المرحلة القادمة من خلال مشروع السلام والتطبيع الشامل معها ، أن تلعب دوراً رئيسياً في دعم النخب المتغربة وقيمها وأخلاقها في بلادنا ، وأن تساهم سلماً ، بعد أن كانت تساهم حرباً ، في السيطرة على ثروات المنطقة وأسواقها.

5ـ على أن جسم الجماعة ـ الأمة ـ في بلادنا أصبح يئن أيضا تحت وطأة الانقسامات الاجتماعية ، وانهيار النظام الاجتماعي التقليدي أمام هجوم التحديث الذي لجأت إليه دولتنا منذ مرحلة التنظيمات العثمانية في منتصف القرن الماضي وحتى الآن. إن بلادنا تعاني من انقسام الفكر والثقافة والمرجعيات الأيديولوجية ، وتعاني من انقسام القوى الاجتماعية على السواء.. فقد أدى تقويض الحرف والأوقاف وتحديث القضاء والتعليم والجيش ونزع ملكية الأرض من عامة الأمة وتوزيعها على فئات صغيرة ـ إضافة لارتباط أسواقنا بالخارج ـ إلى تهميش طبقة العلماء التي حرست نظامنا الاجتماعي لقرون ، وإلى نشوء فئات اجتماعية ـ مثل التجار وكبار الضباط وقطاع من المثقفين ـ مرتبطة بطبيعتها بالخارج ، والى تشكيل أنظمة قضاء وتعليم في حالة صراع وصدام مع قيم الأمة ومثلها ومصالحها. وفي النهاية ، وبعد أن سقطت شرعية الاستقلال التي تمتعت بها الدولة الحديثة في السنوات التالية خروج الجيوش الأجنبية ، وهو الصراع الذي تجند الدولة الحديثة في بلادنا له كل أدوات القمع التي تملكها ، اكتملت بالتالي دائرة الصراع والانقسام الداخلي وأصبح هذا الانقسام الذي ولد من رحم اختلال ميزان القوى مع أوروبا في القرن الماضي ، أصبح هو أيضا أحد أسباب استمرار هيمنة الخارج.

التبعية نظام متماسك

إن من الضروري أن نعي أنه لا يمكن تشبه نظام التبعية بالحبال التي تربط بلادنا بالخارج ، بل الأصح أن تشبه بشبكات متداخلة ، والأكثر صحة أن نراها كشبكة من الأوعية الدموية ، تمتد في كل أجزاء حياتنا وبلادنا .تتغذى من مائنا وهوائنا وتصب لصالح الآخر ، ولأنها شبكات متسعة متشعبة عميقة الجذور فلا يمكن التخلص منها دفعة واحدة ، أو بضربة واحدة ، أو في عقد واحد أو اثنين .. وباعتبارها متصلة بالنظام العالمي كله ، عالم سيطرة الغرب الأطلسي على آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية ، وعلى ما يسمى بالمؤسسات الدولية فإن أنجاز مشروع تقويضها ـ أي إنجاز مشروع الاستقلال ـ لابد أن يعتبر مشروعاً عالميا.

إن من الملاحظ أنه فيما عدا الولايات المتحدة وروسيا فإن حجم جيوش معظم الدول الأوروبية أصغر من حجم جيوش عدد كبير من دول العالم الثالث. ولكن الواقع يشير الى أن دول أوروبا الغربية بشكل عام تمارس درجة من السيطرة والهيمنة على قطاع واسع من دول العالم الثالث. إن الجيش التركي الذي تستخدم دولته لإحكام السيطرة الغربية على شرق المتوسط هو أكبر حجما من جيش بريطانيا وفرنسا مجتمعتين.

من ناحية أخرى نرى كيف أن دولاً عربية وإسلامية قد اختارت النظام الإسلامي وتحررت بالتالي أيديولوجيا وسياسيا الى درجة كبيرة ولكن ضعف بنيات دولة التجزئة وشراسة نظام الاقتصاد والتوزيع العالمي ، جعلها دولا مدينة بمليارات الدولارات .. وهو الأمر الذي يجعل من استقلالها جزئيا وغير متكامل.

إن هذا هو ما يجعلنا نؤكد على تماسك نظام التبعية ، الذي نشأت دوائره بشكل متقاطع في مرحلة زمنية واحدة من القرن الماضي..ويستدعي هذا التماسك الوعي بأن عملية الاستقلال لابد أن تواجه دوائر التبعية جميعها ، كلاً على حدة ، ومعاً في الآن نفسه.

إن استقلالاً سياسيا بدون التخلص من التبعية الثقافية وبدون نمط مستقل للتنمية سرعان ما سينهار تحت وطأة الضغوط.

وأي محاولة للاستقلال الاقتصادي ولامتلاك ناصية القرار السياسي في ظل حدود الدولة الوطنية الصغيرة ـ دولة التجزئة ـ سيكون ضربا من المناورة مع التاريخ . كما أن محاولة إيهام الذات بأن الكيان الصهيوني محدود الخطر بمنطقة جغرافية وعلى شعب معين ، هو انحراف في رؤية التاريخ والواقع على السواء. إذ أن استمرار بقاء هذا الكيان سيكون خطراً على الناس وعلى ثقافتهم وعلى استقلال المنطقة وعلى خياراتها في التنمية والنهضة.

على أن مشروع الاستقلال في النهاية هو مشروع تغيير ميزان القوى العالمي أي هزيمة نظام الهيمنة وإعادة دول المنظومة الغربية الى حجمها الحقيقي ، ومساعدة شعوبها ـ سلماً أو حرباً ـ على التخلص من رؤيتها المشوهة لنفسها وللعالم : الرؤية القائمة على مركزية الغرب وعلى الثقافة العنصرية وعلى مفاهيم سيادة الرجل الأبيض ، وهو ما يستدعي تحالفاً عالميا ًبين المظلومين وأن يكون مشروع استقلالنا ذا ارتباط باستقلال الشعوب الأخرى.

نحو مشروع نهضوي استقلالي

إن المسألة الأساسية التي يجب على قادة الأمة وعلمائها وزعمائها أن يروها هي أن النهضة والاستقلال لا يمكن أن يتحققا بمجرد نشر وعي وثقافة استقلالية ، فقد كانت روح الأمة وطموحها مسكونة ـ ومازالت ـ بالنزوع نحو إنجاز مشروع الاستقلال.

إن النهضة هي متغير على أرض الواقع وفي داخله ، ولإنجاز مشروعها لابد من أن تضرب الأمة وقادتها وزعماءها في ملامح هذا الواقع بمثابرة واستعداد عميق للتضحية ، وإيمان واسع بأن ظهرها على الجدار.

وكما ضرب النحات في الصخر ، فإن كل متغير مهما صغر في الواقع يأخذنا قدما الى مرحلة التشكيل المبدع في صورته الأخيرة ، ولكن وفي مراحل عديدة ، سيكون دمنا هو البديل عن عرق النحات.

ولهذا فإن كل ما له علاقة بتنمية الوعي وإعادة بنائه في النقاط التالية لابد أن يرى في محدودية أثره وهامشيته ، ما لم يرتسم في الواقع ، مدعوما بمصداقية نضالية وكمتغير حقيقي.

1- السعي الى ودعم تشكيل والعمل على انتشار وتوسع المنظمات والتجمعات الأهلية التي تجعل من مقاومة النفوذ الأجنبي بكل أشكاله ، ودعم الثقافة والقيم الوطنية والإسلامية والحفاظ على ثوابت الأمة التاريخية ، هدفا لها. ويجب أن يتم هذا النشاط ـ ما أمكن ـ مستقلاً عن الأنظمة الحاكمة مهما كان الرأي في هذه الأنظمة إيجابيا، حتى لا تقيد معايير الدبلوماسية العالمية وواقع ميزان القوى الدولي حركة هذه المنظمات والتجمعات ، والعمل شعبيا ورسميا على بناء تحالف قوى الأمة السياسية ، وخاصة تياريها الرئيسيين : الإسلامي والقومي، والتركيز على المسائل الموحدة وتأجيل نقاط الخلاف.

2- التحرك لإعادة بناء الإجماع الداخلي وتقوية القطاع الأهلي ، ويستدعي ذلك إعادة الروح الى الحرف والصناعات الأهلية ، وإعادة بناء قطاع الوقف وتوسيعه الى دوائر التعليم والطباعة والنشر والصحافة والصحة ، بحيث يبرز كقطاع ثالث بجانب القطاعين العام والخاص ويساعد على تقوية جسم الأمة واستقلالها، والعمل على قيام ثورة زراعية جادة وواسعة حتى تصل الأمة إلى مرحلة الاكتفاء الغذائي ، والتأكيد على شعار "نأكل مما نزرع" وتقوية الصلات الاقتصادية فيما بين العرب والمسلمين ودول العالم الثالث، بحيث يؤكد الزعماء قبل العامة أن الأمة لابد أن تضحي برفاه الصناعة والتقنية من أجل الاستقلال والكرامة ، إذ لابد من اعتبار الآلة والتقنية الصينية أو المصرية أو الهندية ـ إن توافر خيار الأولوية لنا ـ قبل الآلة الأوروبية أو الأمريكية ، مهما كان الفرق بين المستويين.

من أجل نظام عالمي عادل للعلاقات الاقتصادية

ربما كان محور المظلومية القائمة في النظام الاقتصادي العالمي هو ما يسمى بالاستفادة من فائق القيمة التاريخي، وهو المكاسب التي حصل عليها الغرب من جراء حروب الغزو التي قام بها ضد مراكز الحضارة في الشرق بدءا من الحروب الصليبية ، حيث نجح في استنزاف ثلاث قارات هي آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ، بما في ذلك الثروات المادية والإمكانات البشرية والثقافية ، وتكديس هذه الثروات في الدول الصناعية الغربية.

ويمتاز النظام الاقتصادي العالمي الجديد بالنسبة للدول الفقيرة بما يلي:

1ـ مزيد من المديونية.

2ـ مزيد من الاستنزاف للثروات الطبيعية وتدمير البيئة.

3ـ مزيد من الاحتضار للزراعة ، وبالتالي المزيد من النزف السكاني للريف وما يتبعه من اكتظاظ مدني هائل في محيط بيئوي لا يحتمل.

4ـ صناعة تراوح مكانها في حدود ضيقة.

5ـ مزيد من البطالة وتفشي الطفيلية.

6ـ مزيد من الارتفاع في معدلات التضخم.

7ـ مزيد من الاستقطاب الاجتماعي بين أقلية من السكان تستأثر بمعظم الدخل القومي ، مقابل أكثرية متسعة تعيش تحت خط الفقر والجوع.

8ـ من المنتظر أن يأتي النظام الاقتصادي العالمي الجديد بعصر من الاضطرابات الاجتماعية التي لا تنتهي . وبينما ستجد الأنظمة نفسها في مواجهة الشعب ستكون أكثر حاجة إلى الاعتماد على الدول الصناعية الكبرى والغرب عموما في تأمين النظام واللجوء إلى مزيد من القمع والتبعية.

ومن الملاحظ بالنسبة لأوروبا خصوصا أنها تغطي العجز في علاقاتها مع أمريكا واليابان بالفائض الذي تجنيه من مبادلاتها مع العالم الثالث وبلدان الشرق (صفقة الأسلحة الأخيرة بين بريطانيا والسعودية مثلاً) ، وهي بحاجة للاحتفاظ بعلاقات غير متكافئة في ميدان تبعيتها الخاصة ، من أجل أن تلعب دورها في الرأسمال العالمي المسيطر، كما أن أوروبا لم تتمايز عن استراتيجية الولايات المتحدة وأداتها المخلصة (إسرائيل) ، وقد أظهرت حرب الخليج بشكل مأساوي هذا الخيار الأوروبي ، والهدف هنا هو إبقاء العالم العربي في حالة قصوى من الهشاشة والتعرض ، بحيث تتعامل مع الوحدة العربية أو الإسلامية بوصفها كابوساً مزعجاً، وتجهد للإبقاء على الأنظمة المتخلفة (الخليجية خصوصاً) وللحفاظ على التفوق العسكري (الإسرائيلي) المطلق ورفض حق الفلسطينيين في الوجود.

لقد حاولت دول العالم الثالث الخروج من أسر الهيمنة عبر نضالات تحررية ، انتهت بانهيار رموز العالم الثالث وحركة عدم الانحياز ، ودخول العالم الثالث في إطار الاستيعاب والضبط المباشر مع دخول النفط كسلاح في يد أمريكا منذ عام 1973 ـ الذي أفاد في هيمنة أمريكا على أوروبا ـ تم ربطه بالبترودولار، ولم تنجح محاولات الحوار بين الدول الفقيرة والدول الغنية في تحقيق شيء منذ انعقاد الدورة الاستثنائية السادسة للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيار (مايو) 1974، والمؤتمر الوزاري لدول عدم الانحياز في ليما عام 75، ومؤتمر القمة الأول لدول الأوبيك في الجزائر ، ثم مؤتمر داكار حول المواد الأولية في آذار (مارس) 1975، ثم الدورة الاستثنائية السابعة للأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) 75، ومؤتمر الأمم المتحدة الرابع للتجارة والتنمية الذي عقد في أيار (مايو) 1976، ومؤتمر باريس الذي عرف بحوار الشمال ـ الجنوب في شباط (فبراير) 76،والمؤتمر الثاني لحوار الشمال ـ الجنوب في كانكون (المكسيك)، وأخيراً مؤتمر البيئة في العام الماضي في المكسيك الذي منعت فيه أمريكا امكانية إجراء حوار حقيقي لصالح الدول الفقيرة ولكن المطالب التي تقدمت بها الدول الفقيرة ما زالت صالحة عملياً لتشكيل برنامج حد أدنى لتحقيق وضع أفضل للنظام الاقتصادي العالمي ، وهي مطالب يمكن إجمالها فيما يلي:

1ـ حق كل دولة في السيادة الدائمة والتامة على مصادر ثرواتها القومية ، وحقها في استعمال جميع الوسائل من أجل تحقيق ذلك.

2ـ تحسين حدود التبادل لمصلحة الدول النامية من خلال وجود علاقة عادلة بين حركة أسعار المواد الأولية الأساسية من جهة ، وبين المنتوجات المصنعة من جهة ثانية.

3ـ تشجيع جمعيات المنتجين من الدول وجعلها تؤدي دوراً فاعلاً في إطار التعاون الدولي.

4ـ تأكيد أهمية التصنيع بالنسبة إلى الدول النامية وضرورة حصوله على دعم ومساعدة دوليين، وخصوصاً تسهيل دخول منتجات البلدان النامية الصناعية إلى أسواق البلدان المتقدمة ، مع ضرورة وعي الدول الفقيرة بأن ازدياد حجم المبادلات فيما بينها هو الأجدى على المدى البعيد، مهما انخفض حجم العوائد والمداخيل من جراء ذلك.

5ـ تحويل التقنيات الحديثة إلى الدول النامية ضمن شروط مالية وفنية ميسرة.

6ـ ضبط ومراقبة نشاط الشركات المتعددة الجنسيات في البلدان النامية.

7ـ مشاركة الدول النامية في اتخاذ القرارات التي تتناول العلاقات الدولية، لاسيما منها المتعلق بتنظيم التجارة الدولية وإصلاح نظام النقد العالمي كذلك ضرورة التأكيد على حرية انتقال التكنولوجيا ، وإسقاط مبدأ (بوش) الذي يحظر نقل التكنولوجيا إلى الدول المتخلفة.

ومن جهة أخرى يجب على الدول العربية والإسلامية والعالم الثالث عموماً أن تسعى لإقامة نظام اقتصادي وتعاون مشترك قادر على خلق قيم إنسانية جديدة في العلاقات الدولية تتجاوز الإرث الاستعماري وتقطع الطريق على النظام الجديد. ويمكن في هذا المجال للدول العربية والإسلامية أن تحقق تعاونا فيما بينها سواء عن طريق تجمع يخلف حركة عدم الانحياز ويمتلك آليات فاعلة ، أو منظمات إقليمية ذات نسق مختلف من العلاقات، أو غير ذلك .. ومن الضروري الخروج من أشكال التعاون والتكامل الاقتصاديين التي تتبناها الدول الفقيرة والمتخلفة عن الأشكال التقليدية التي جربتها البلدان المتقدمة فيما بينها ، والتي لا تؤدي سوى إلى مزيد من ارتباط الدول الفقيرة بالدول الغنية ، كمناطق التجارة الحرة ، والاتحادات الجمركية والأسواق المشتركة ، لأن الدول الكبرى قادرة على استقطابها وجعلها تدور في محورها ، كما حدث مع الأوبيك وغيرها . كذلك يجب النضال ضد بنك النقد الدولي ودوره الاستعماري ، والعمل على حل مشكلة المديونية.

الاستقلال الاقتصادي والتنمية المستقلة

إن الاستقلال الاقتصادي ، والاستثمار المستقل للثروات القومية ، والتنمية المستقلة والسوق المشتركة، هي عناصر مشتركة لمتحد جامع هو السياسة الاقتصادية، لذلك فإن الفصل بينهما هو فصل عملي وليس نظرياً . ومن هنا سنتحدث عن هذه العناصر في صيغة مدمجة ، دالفين إليها من واقع العلاقات الاقتصادية العربية ـ الإسلامية فيما بينها.

إن الواقع العربي الإسلامي يمر بمرحلة من التخلف ، والتخلف مصطلح يدل على واقع تاريخي ومفهوم تاريخي محدد ، ولا يملك صفة الإطلاق. ومن السائد في أيديولوجيا الخطاب الاقتصادي والنهوض العربي أن يجري الحديث عن التخلف والتقدم كصفتين مطلقتي الدلالة ، مما يعني عدم إمكان الخروج من التخلف إلا بفعل تغييري عنيف (الثورة أو الانقلاب) . ولكن دراسة متأنية تكشف عن عدم دقة هذا التصور ، إذ على الرغم من ترابط العلاقة بين التقدم والتغيير الجذري ، إلا أن آليات التغيير قد تأتي بشكل غير ملموس وغير عنيف ، وهو استنتاج يقدم الأمل في جدوى العمل التنموي في ظل علاقات التخلف السائد عربيا وإسلاميا.

ونلاحظ أن تمزق الاقتصاد والتنمية العربية يعكس أحد التوجهات الأيديولوجية التي تحكم الخطاب "التنموي" في الفكر العربي المعاصر بحيث جرى الربط بين الاستقلال الاقتصادي والاستقلال السياسي على نحو قاطع ورغم مشروعية هذا الربط، إلا أن الاستقلال الاقتصادي بحاجة إلى بنية اقتصادية تستطيع أن تنهض بهذا الاستقلال، وهي بنية مسبقة، بمعنى أن بناءها يتم في مرحلة سابقة على الاستقلال الاقتصادي ، لأن التغيير الذي يحصل على مستوى السلطة لا يستتبع إلغاء البنية الاقتصادية السابقة بالضرورة، وهو يستفيد ويبقى على التراكمات والثروات والإنجازات السابقة على لحظة التغيير " كما نشهد حالياً في روسيا وميراثها من الاتحاد السوفيتي".

وفي واقعنا العربي فإن الحالة الاقتصادية الهشة التي ورثتها أنظمة الاستقلال (أو أنظمة التجزئة) ساهمت إلى حد كبير في تكريس التبعية وتقوية أواصرها مع الآخر. واكتشاف النفط في الدول النفطية مسألة شكلية أو غير جذرية . بحيث بقيت علاقات الإنتاج غير ممسوسة إلى حد كبير ، ولم تعد على الدول المؤممة بأكثر من فائض القيمة. وهو الفائض الذي لم يشكل قاعدة اجتماعية. ولكنه شكل رصيداً لبناء أجهزة الدولة فقط ، فأخذت النخب الحاكمة ـ على اختلاف أنظمتها ـ في تركيز توظيف ما تبقى بتصرفها من فائض في إقامة مظاهر الدولة "الحديثة": جيوش أجهزة أمن داخلي ومختلف الإدارات الحكومية التي ملأتها بالموظفين فكانت التنمية عبارة عن توظيف أفضل الظروف الحياتية السائدة في الغرب للنخب الحاكمة وللفئة الاجتماعية التي أخذت تنمو حولها: مساكن وخدمات على أنواعها ـ صحية وتربوية وثقافية ـ ومواصلات .. الخ وبشكل عام فقد تم نقل الاستهلاك والترف الباهظ من الغرب ، وما يجره ذلك من ويلات على صعيد تشويه القيم واستنفاد المصادر الطبيعية. وهي ويلات بدأت الدول الصناعية نفسها في معاناتها. وهو ما يتطلب إجراء تغيير جوهري في القيم المادية التي يقوم عليها رخاؤها ومع أن فرص الاستثمار واسعة جداً في العالم العربي ، إلا أن المعوقات مثل ما يدعي (بالمخاطر التجارية) منتشرة جداً بشكل يمنع إمكان تحقق هذه الفرص. وأهم هذه المعوقات:

1- انعدام السياسات الاقتصادية الثابتة والمستقرة والتي تتخذ القرارات الاقتصادية والسياسية أيضاً من خلال النقاش الحر وتبادل الرأي والمعلومات والمبادرات الشخصية والجماعية.

2- التخلف عن عصر الاتصالات والمعلومات التي يضعف ويصعب انتقالها.

3- النقص الشديد في التقنية العالية وفي معاهد التخطيط وفي المختبرات.

4- عدم مراعاة البيئة الإنتاجية (الوسيطة) بين المؤسسة أو البنية التقنية الفوقية، مما جعل التنمية الصناعية المحدودة مصدر العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الجديدة، وأهمها الهجرة من الريف إلى المدن ، وظهور أحزمة الفقر والجوع ، وانتشار البطالة المقنعة وغير المقنعة ، والتضخيم الكبير في قطاع خدمات لا يفيد الإنتاج بل يعوقه.

التنمية المستقلة

ترتبط التنمية المستقلة مع التحديث كتحد تجب مواجهته ، ليس في الحركة الإنتاجية فقط ، ولكن في الحياة التي نعيشها يومياً أيضاً. ولكن ارتباط السياسة العربية بالسياسة العالمية الغربية كان ذا علاقة عكسية: مع ازدياد التبعية يزداد الابتعاد عن التحديث والدخول في وقع التخلف والاغتراب. وعلى الصعيد الصناعي انشد الاقتصاد القومي أكثر بعرى الاقتصاد الغربي المسيطر واندفع أكثر في بنية وخدمة الرأسمال العالمي المسيطر، فإذا الوطن العربي ـ نسبياً ـ من أكثر مناطق العالم اعتماداً على استيراد السلع الصناعية ، إذ تصل وارداته إلى أكثر من ثلاثة أضعاف وارداته الزراعية التي هي كبيرة جداً ، و98% من صادراته تنحصر في المواد الخام الزراعية والمعدنية (النفطية بشكل أكبر) ، بينما لا تتعدى نسبة السلع الصناعية المصدرة 2% من مجموع الصادرات ، وهذا النمط الاستهلاكي أدى إلى ابتلاع المواد من النقد الأجنبي ،وزاد في إفقار القطاعات الإنتاجية الأخرى وفي عجز ميزان المدفوعات وتعاظم الديون الخارجية التي لم يشهد لها العالم مثيلاً من قبل في الحجم والثقل.

وهذا يتطلب:

1- بناء قاعدة إنتاجية قادرة على النمو والتطور في ظل شروط ، أهمها قدرتها على تأمين حاجتها من الموارد المحلية بأكبر قدر ممكن.

2- تأمين حاجة الغالبية العظمى من أفراد المجتمع لإشباع حاجاته الأساسية (وليس حاجات الاستهلاك المقلد).

3- تأمين منافستها الدولية في تصريف منتجاتها في الخارج بحسب تخصصها في الإنتاج في ميدان تقسيم العمل الدولي (بما يناسبها وليس حسبما يفرض عليها).

4- الإنفاق على مؤسسات البحث والتطوير العلمي.

السوق المشتركة

قد تكون أداة مادية ملموسة تقود إلى منافع التكامل الاقتصادي العربي ، ولكنها ليست شرطاً لهذا التكامل ، إذ إن القدرة على بناء سوق مشتركة ـ شبيهة بالسوق الأوروبية ـ غير واقعية وغير مضمونة النجاح فالسوق الأوروبية المشتركة قامت كنتيجة طبيعية لاحتياجات التصنيع الأوروبي وتكامله ، خاصة بين المواد الخام (المعدنية خاصة) والمصانع ، وفي الحالة العربية فإن التجربة تكاد تكون نسخاً غير مدروس لهذه التجربة ، وهو ما يجعلها محكومة بالتبعية للنظام العالمي مسبقاً، أو يحكم عليها بالفشل قبل إنشائها وهو الحاصل حتى الآن. ولكن ما يمكن تسميته بالمشروع الاقتصادي العربي المشترك ، يظل صيغة أعم وأكثر حظاً في النجاح ، بحيث يؤدي إلى تدفقات سلعية أو خدمية فيما بين الدول العربية ، مثل المشروعات المقامة وفقاً للقوانين السارية المفعول في إطار أطراف عربية في بلدين عربيين أو أكثر ، سواء أكانت مؤسسات قطاع عام أم مختلط أم خاص ، وتستهدف القيام بنشاط إنتاجي أو تجاري أو مالي أو خدمي أو غيره ، من شأنه أن يحقق منافع اقتصادية لأقطار عربية ويعزز التشابك والتلاحم بين الاقتصاديات هذه الأقطار، ويزيد في متانة الروابط والعلاقات الاقتصادية والتبادل فيما بينها.

ومن أسباب عدم نجاح العمل المشترك (إضافة إلى ما هو سياسي وثقافي):

1- ضيق الأفق الاقتصادي للقطاع الخاص.

2- ضيق الأفق السياسي للقطاع العام.

3- دور النفط كعامل سلب في العلاقات الاقتصادية العربية.

4- نقص المرافئ وشبكات الطرق والجسور.

5- نقص الكوادر البشرية الماهرة.

6- قلة الأسواق المالية ، وضيق محدودية القائم منها وعدم تكاملها.

7- الانعدام الكلي تقريباً لحرية حركة رؤوس الأموال العربية الخاصة من الأقطار العربية المختلفة.

8- محدودية أدوات الاستثمار نوعاً وحجماً.

بالإضافة إلى ضرورة التخلص من السلبيات المذكورة ، يجب التنبه إلى معالجة نظام السفر والحركة بين الدول العربية وفتح الحدود وإعطاء المواطنين العرب حق التملك والإقامة. كذلك ربط الدول الإسلامية التي تمثل بعداً حقيقياً بالسوق العربية ، وكذلك التعاون مع دول العالم الثالث والدول الفقيرة ،ومحاولة التعويض عن السوق الأمريكية والأوروبية الغربية بالبديل الياباني والصيني والكوري والفيتنامي والكوبي للتخلص من الهيمنة والتبعية.

الاستثمار المستقل للثروات القومية

يرتبط هذا المجال التنموي بالاستقلال الاقتصادي ، ولكن استقلالية القرار السياسي تلعب دوراً مهما هنا ، من حيث تأمين القدرة على الاستقلال التنموي، خاصة أن النفط هو أكبر ثروة قومية عربية ، وقد رأينا في التجارب السابقة أن الدول الصناعية الكبرى ترفض وتحارب هذه الخطوة. والحقيقية أن النفط لم يستغل من أجل تنمية عربية مستقلة ، بل جرى الاعتماد عليه كلياً وليس توظيفه في خدمة السياسية الاقتصادية ، مما جر الويلات على الدول النفطية بشكل خاص ، وعلى المحيط العربي ـ الإسلامي عموماً ، من أجل تأمين هذا المصدر الحيوي للطاقة في خدمة المصالح الغربية . ولم تسخر أدوات الإنتاج التي تطورت في ظل الطفرة النفطية من بترودولارات ورؤوس أموال وعمالة من أجل قيام تجمع اقتصادي في المنطقة العربية ـ الإسلامية ، لأن منظمات التنسيق والتخطيط الإنمائي والمشاريع المشتركة أدخلت الاقتصاديات العربية في مسلسل مستديم من التبعية والتخلف، كما سخرت كأدوات طيعة لتحقيق طموحات برجوازية عربية ذات طبيعة طفيلية أو فئة وسطاء وسماسرة في خدمة الرأسمال العالمي (الغربي)، وللحد من وظيفة تنموية لهذه الأدوات عبر تشجيع القطاع الخاص (لبرلة) الاقتصاد. في خضم هذا المأزق الذي شهده العمل الاقتصادي العربي المشترك ـ والذي تنامى أكثر في أواخر السبعينات ـ بخاصة في ظل ظروف سياسية جد سيئة كان يعيشها النظام الإقليمي العربي ـ تحطمت أطروحة (الفوائض المالية العربية)، وتراجع الخطاب العربي السائد حول التكامل الاقتصادي والسوق المشتركة ، وبلغ هذا التراجع أوجه على جميع المستويات ـ وخاصة من حيث محددات الاندماج الاقتصادي العربي ـ مع بداية الثمانينات ، ومع دخول العلاقات الاقتصادية العربية في مرحلة جديدة أطلق عليها مرحلة "ما بعد النفط".

من أجل الاستثمار المستقل والتنمية يجب الانطلاق من الخصوصية العربية الإسلامية ، والكف عن الجري وراء نسخ تجارب جزئية عن الغرب تزيد من التبعية والإلحاق ، وهو ليس مطلباً انعزالياً لا تاريخياً، ولكنه مطلب قد يجد أعذاره في دراسة الواقع العربي الإسلامي ومحدداته البيئية الخاصة لتشكيل تعاونيات محلية شبيهة بروابط الحرف والصناعات الأهلية وأنظمة الوقوف التي كانت سائدة قبل الاستعمار. ويمكن الاستدلال بدعوة مالك بن نبي إلى البحث عن طريق ثالث ، أو بالدعوات المعاصرة إلى تمعن الظاهرة اليابانية والتجربة الصينية، والتأمل في تجربة السارفودايا في سيريلانكا، التي تمكنت من تغيير وجه البلد وانتشرت في أكثر من 2300 قرية وشملت ملايين السكان واعتمدت على التراث الديني والشعبي للمناطق البوذية ، وكذلك دراسة تجربة غاندي في الاستقلال عن الاقتصاد البريطاني.

الوحدة العربية والاستقلال

لابد من وضع مسألة الوحدة على ذروة جدول أولويات المفكرين والدعاة والعلماء والتنظيمات السياسية والدول ، ونقل ذلك إلى أرض الممارسة الفعلية ويستدعي هذا إعادة العمل بقاعدة الأمة التاريخية: تقديم الوحدة على العدل" .. إذ يجب أن نسير جميعاً إلى خيار الوحدة مهما كان اعتقادنا بأن في ذلك الخيار بعض الهضم لحقنا فيما نراه ـ فكريا أو سياسياً أو مادياً ـ صواباً. ولابد أن ينعكس هذا على إنهاء حالة الصراع والتدافع بين القوى والمنظمات ، وعلى تقليص حالة التشرذم السياسي ، وقبل ذلك وبعده لابد من إعادة الروح إلى حركة الجماهير الوحدوية التي كانت سمة الخمسينات والستينات . إن هناك فروقا في هذه المرحلة بين مستوى المعيشة في كل بلد عربي أو إسلامي عن البلد الآخر، وكذلك في مستويات التعليم أو الخدمات .. الخ. إن هذا الأمر المؤقت والعابر في معظم الحالات ، لابد ألا يمنع حكومة ودولة وشعباً ما من اختيار الوحدة مع دولة وشعب آخر. ومن ناحية أخرى لابد أن تلتزم قوي الأمة السياسية والشعبية بقاعدة أساسية هي أنه في الوقت الذي لابد أن يكون فيه خيار الوحدة خياراًُ شعبياً وألا يفرض بالقوة والعنف من القوي على الضعيف، لما في ذلك من تقويض لقيم الوحدة ذاتها، فإن دخول جيش عربي إلى أرض دولة عربية أخرى يجب النظر إليه داخل الحدود العربية ـ الإسلامية كشأن عربي ـ إسلامي خاص. وإلى جانب ذلك لابد من العمل ضد كل اتجاهات تجزئة الوضع العربي ـ الإسلامي القائم الآن ، مهما كانت راية هذه الاتجاهات التي تحملها : إسلامية أو طائفية أو عرقية (كما في حالة العراق أو السودان). وبشكل مماثل يجب العمل ضد إقامة أية كيانات جديدة منفصلة في المنطقة (الصحراء المغربية مثلا) مهما كان الموقف من القوى التي تدعو لذلك.

إن الأطر الرسمية الحالية ، كالجامعة العربية ومؤسساتها والمؤتمر الإسلامي ومؤسساته ، لابد أن ترى من زاوية إيجابية ، وأن تستخدم لتعزيز التضامن وإلزام دولها الأعضاء بمواثيقها وقيمها ، في الوقت نفسه الذي يتم فيه النضال من أجل تطويرها أو إنجاز مشاريع وحدوية خارجها.

9- يشهد الفضاء العربي ـ الإسلامي الآن نهضة فكرية بارزة ، وقد بدأ عقل الأمة في تقديم إجابات حيوية على العديد من إشكالات التحدي ، ولكن مجال الاستقلال الفكري واسع وممتد، خاصة في ظل تطور أجهزة وقنوات الاتصال والتأثير العالمية.

إن المسألة الجوهرية في هذا المجال هي حرية الفكر وحرية التعليم ، فإن استطاعت الأمة أن تحصل على حقها في المجالين بحيث لا يصبح الفكر والتعليم حكراً بيد الدولة ، فإن عقل الأمة وعمق ارتباطها التاريخي بقيمها سيكون قادراً على إيقاف الاختراق الثقافي ، وإنجاز مرحلة واسعة من الاستقلال . ولكن ، كما أن حرية الفكر والتعليم مطالب للشعوب ، فعلى القوى السياسية المعارضة أن تحيّد المجالين إلى أقصى حد ممكن ، حتى لا يصبحا مجالاً للصراع مع الأنظمة من جديد، وتستخدم المعارك مع "السياسي" لقمع الفكري والتعليمي.

من ناحية أخرى ، وفي الوقت الذي لابد أن يواجه فيه الغزو الفكري والثقافي، فإن حركة نقد وإعادة بناء واستلهام ما هو معاصر من التراث ، هي أمر مساو في الأهمية.

تحرير الأرض من الوجود الأجنبي

لقد أصبحت ظاهرة الاستعانة بالخبراء الأجانب في المجالات العسكرية وتأجير القواعد العسكرية للقوى الغربية، أو حتى الاستعانة بالجيوش الأجنبية ، أمر مقبولا في بعض الدوائر ، بل هناك من ينظر الآن لهذا التنازل عن السيادة الوطنية على صفحات الكتب والمطبوعات. إن على المفكرين والعلماء والقيادات الوطنية أن تناضل ضد هذه الاتجاهات بكل السبل الممكنة.

كما لا بد من استنفاد كل أساليب النضال الشعبي ضد ما تبقى من الوجود الأجنبي أو ما يعاد زراعته قبل اللجوء إلى أية وسائل أخرى، وذلك حتى لا تعزل القوى المناضلة عن قطاعات الشعب الواسعة.

إن مشكلة متصاعدة بدأت تبرز منذ سنوات أمام المسلمين ، تتعلق أساساً بوضع الأقليات الإسلامية في بلدان غير إسلامية خارج منطقة المركز الإسلامي، كما في الهند والفليبين والصين (وكما كان في يوغسلافيا). في معظم هذه المناطق ، وبدرجات متفاوتة تتحرك الأقليات الإسلامية من أجل حريتها وحقوقها ، وأحياناً من أجل الانقسام.

إن نضال الأمة اليوم ضد الامبرياليات الغربية نضال عالمي في جوهره ، ويحتاج إلى حلفاء وإلى توسيع جبهة النضال ، وينبغي على الأمة أن تطرح تصوراً يناسب المرحلة بخصوص هذه الأقليات، ويقوم على احترام وحدة البلدان الصديقة وعلى احترام حقوق المسلمين. إن الصين والهند مثلاً مرشحتان لأن تكونا حليفتين مهمتين لنضالنا، ولم يكن انقسام الأقليات المسلمة (كما في حالة باكستان) دائما بالأمر الإيجابي عندما يرى بمقاييس التاريخ.

استقلال القرار السياسي وتحرير فلسطين

يرتبط استقلال القرار السياسي العربي ـ الإسلامي بسيرورة تحرير فلسطين .. إذ لم تكن مصادفة أن يقدم الغرب وعد بلفور في الوقت الذي كان فيه يدمر بنيان الدولة العثمانية ، ويجتاح المنطقة عسكرياً ويخضعها إلى شبكة علاقات قائمة على التبعية والارتهان السياسي . لقد عمد الآخر إلى "شن حربة الشاملة" ضد الوطن العربي ـ الإسلامي ، وتكريس "القابلية للاستعمار" في نفوسنا وتدمير منابع القدرة الداخلية ، وذلك بتحطيم المكونات العقدية والفكرية والحضارية للمجتمع الإسلامي وتغيير أنماط المعيشة والإنتاج فيه بما يخدم مصالحه ويحقق التبعية له.

وعمد الآخر إلى خلق مؤسسات موازية ومعادية (لنا) يديرها تلامذة له ومأخوذون بثقافته ، ولم تكن سوى محاكاة مشوهة وناقصة لمؤسسات الغرب ، في سعي منه لتدمير العقل المسلم وحشوه بمفاهيم الغرب ، ليقطع كل طريق على عملية التفكير في إعادة بناء المجتمع الإسلامي المقاوم. فمجرد تدمير المؤسسات الإسلامية مع بقاء العقل الإسلامي في يقظة ، كفيل بمحاولة البدء من جديد، وكفيل بنجاح المؤسسات الإسلامية وإعادة بنائها من جديد.

لكن "إسرائيل" وجدت لتمارس وظيفة مستمرة دائبة هي ضرب "النفسية العربية ـ المسلمة" وتحويل ميدان المعركة الحقيقية إلى ميادين وهمية تستنفد الجهد والطاقة. وقيام دولة "إسرائيل" أهم وأخطر وأعنف أشكال الحرب الشاملة .. إذا بقيامها واستمرار وجودها في القلب من الوطن الإسلامي ، تكون الهجمة الغربية قد نفذت أهم وأخطر مهماتها، فنحن هنا لا نواجه مجرد تحد عسكري أو مجرد تحد فكري ، وإنما نواجه استيطانياً عدوانيا في مكان مهم وحساس من الوطن الإسلامي، يعطي للصراع كل أبعاده التاريخية والحضارية والعقدية والفكرية ، إضافة إلى الأبعاد العسكرية والسياسية والاقتصادية. ومع "إسرائيل" لم تعد ثقافة الأمة فقط هي المهددة بل وجودها برمته. واليوم وبعد مرور أكثر من أربعة عقود على الإعلان عن كيان "إسرائيل" يتكرس أكثر فأكثر الدور الصهيوني في المنطقة، حيث يضرب العدو ويتحرك معتبراً أن حدوده الزمنية تشمل باكستان وإيران حتى شمال أفريقيا، ومن تركيا حتى جنوب السودان ، ومعتبراً كل ما بين ذلك ـ على الأقل ـ قابلاً للتدخل الصهيوني اقتصاديا وعسكريا وأمنياً ، والمطالبة بلعب دور أكبر في سياسات المنطقة ، وفي الإسهام في ثقافاتها ، والغزو الدبلوماسي للأقطار الإسلامية الأضعف مقاومة ووعياً لخطورة الدور "الإسرائيلي" ، والإصرار على تكريس وجودها في المنطقة كقوى كبرى ، وهو الأمر الذي ترفعه المفاوضات العربية ـ الصهيونية إلى مستوى أعلى من الخطورة والنفاذ . لذا ليس نافلاً أن يركز "الإسرائيليون" على التطبيع السياسي والاقتصادي والثقافي كهدف أساس "لعملية السلام" قبل مسألة الأمن أو الجغرافيا ، وهم في هذا المجال مخلصون تماماً لوظيفتهم الاستعمارية المرتبطة مباشرة بالغرب الأوروبي والأمريكي. وأهم آليات هذه الوظيفة هو تعزيز "القابلية النفسية للاستعمار" عبر التطبيع والإقرار (المغلوب على أمره) بهيمنة الكيان العدواني والغريب في المنطقة.

تبعاً لهذه الجردة السريعة ، يمكن استنتاج أن استقلالية القرار السياسي تستوجب توافر "الشرط النفسي" لدى أبناء الأمة لتصفية "القابلية للاستعمار والتبعية"، وهو نفس الشرط الواجب للنهوض بمعركة تحرير فلسطين. وهي معركة ليس الجيوش ولا الأنظمة مادتها الأساسية وجنودها ، ولكن الأمة بطاقاتها وبفكرتها الشاملة عن نفسها وعن الآخر. إذ عندما تعتقد الأمة بقدرتها واستعدادها النفسيين على مواجهة الآخر والانفكاك من أسر تبعيته والارتهان له ، تبدأ في تحقيق استقلالها السياسي، وتنهض في الوقت نفسه لمعركة تحرير فلسطين انطلاقاً من أن فلسطين هي القضية المركزية للأمة العربية والأمة الإسلامية، حيث استطاع الاستعمار الغربي الحديث ـ الذي أطلقته الحملة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر ـ بعد حوالي قرنين من الزمن أن ينشئ الكيان الصهيوني ، الذي أصبح مركز الهجمة الغربية ضد الحوض العربي ـ الإسلامي ومركز المشروع الاستعماري ومن هنا فإن فلسطين تأتي في قلب ومركز المشروع المضاد: المشروع العربي ـ الإسلامي. فالمعركة ليست فقط بين الشعب الفلسطيني والكيان الصهيوني ، إنها معركة كل الأمة ضد الغرب المستعمر الذي يمد الكيان الصهيوني بكل أسباب الحياة والرعاية والحماية ، وبدون انتظام طاقة الأمة في مسير ونهج موحد فسيبقى الخلل في توازن القوى قائماً ومستمراً لصالح العدو. ومن هنا تأتي أهمية استقلال القرار السياسي والقضاء على جذور ومنابع التبعية بكافة أشكالها ، ونظم مفردات قوة الأمة التي تكمن في هذا العدد البشري المتعاظم وهذا الموقع الجغرافي المتميز والإمكانات المادية الهائلة ـ إضافة إلى التاريخ والموروث الحضاري العربي ـ الإسلامي المستند إلى أيديولوجيا حية باعثة ـ قادرة على بعث الأمة وتفجير إمكاناتها ونظمها في كينونة فاعلة ومؤثرة.

إن مسألة تحرير فلسطين هي مسألة مشروع ينظم إمكانات الأمة ويرد على حرب العدو الشاملة بحرب شاملة ثقافية وفكرية واقتصادية وأمنية وعسكرية ، ويبقى دور المجاهدين في فلسطين ، وهو إحياء فريضة الجهاد ضد العدو ومشاغلته واستنزاف طاقاته وكشف وجهه البشع ،وتدمير ما يستطيعون من قدراته وإدامة الصراع حياً حتى وحدة الأمة وتحقيق النصر، والتصدي لمؤامرات تصفية القضية التي يوجهها الغرب.
المصدر : مجلة منبر الشرق ـ القاهرة العدد (8) ـ يوليو / تموز 1993

10 août 2008

الرجل الظاهرة الذي قاد نهضة ماليزيا

هذه نبذه مختصرة عن شخصية متميزة وضعت نصب عينيها الهدف وسعت إليه رغم

العوائق، وصلت ماليزيا في عهد هذا الرجل ذرى لم تصل إليها أي دولة إسلامية أخرى أنه رجل

الفكر والإنجاز الدكتور / مهاتير محمد....

ولد محاضير محمد في 20 ديسمبر 1925 في مدينة ألو ستار بولاية قدح في شمال ماليزيا، وتعلم في مدرسة السلطان عبد الحميد في أكور ستار.
وفي السادسة عشرة من عمره فقد محاضير الهدوء الذي كان يملأ حياته وفقد في ذلك الوقت وظيفته ولم يستطع أن يكمل تعليمه بسبب الحرب العالمية الثانية واحتلال اليابان للملايو. وفي فترة الاحتلال كان الملايويون يمثلون 50% من السكان، بينما مثّل الصينيون 37% والهنود 12%، وكانت الخلافات الدينية واللغوية والاجتماعية حادة بينهم.
وعندما أراد العودة للخدمة بعد الاحتلال كانت مؤهلاته لا تتناسب مع متطلبات الوظائف، فاعتمد على نفسه حيث شارك في كشك صغير كان يبيع فيه القهوة والحلويات. وبعد رحيل اليابانيين وعودة البريطانيين إلى ماليزيا قرر محاضير العودة إلى المدرسة لإكمال تعليمه، وانخرط في العمل السياسي من خلال التحاقه بمجموعة مناهضي اتحاد الملايو الذي أنشأته بريطانيا عام 1946م وضم الولايات الإحدى عشرة التي كانت تحت الحماية البريطانية وسمي هذا الاتحاد فيما بعد بالاتحاد الفيدرالي الماليزي عام 1948. وفي نفس الوقت شنت الجماعات الشيوعية (ومعظمهم من الفقراء الصينيين) حملات عنف وإبادة لشل حركة الانتعاش الاقتصادي التي قد بدأت في الظهور منذ عام 1948. وأعلنت حالة الطوارئ وتواصلت أعمال العنف في البلاد لمدة 12 عاما والتي نتج عنها موت 11 ألف مواطن حتى عام 1960.
حصل على منحة لدراسة الطب في كلية الملك إدوارد السابع الطبية التي أصبحت بعد ذلك جامعة المالاي بسنغافورة، وكانت هذه الرحلة لها الأثر الكبير لتعرفه على أكثر المناطق تحضرا في الملايو. كما أن الدراسات الجامعية أدت إلى بعض التغيرات بالنسبة لمعرفته بالجنس الآخر فقد تعرف على سيتي حسمه التي أصبحت زوجته بعد التخرج عام 1956.


عمل بعد ذلك بالمستشفى العام في مدينة ألو ستارثم. وأنشأ عيادة خاصة وترك العمل الحكومي وانغمس في النشاط السياسي.

تزامن دخول محاضير في العمل السياسي كعضو في البرلمان لأول مرة عام 1964 مع فترة عصيبة شهدت اضطرابات سياسية مثل الصراع بين الأحزاب والجدال حول اللغة القومية... ما أدى إلى تصاعد الصراعات العرقية التي تفجرت في 13 مايو 1969. وفشل في الحصول على مقعد في البرلمان في هذا العام بسبب تصريحاته ضد الصينيين الذين أعطوا أصواتهم لمرشح حزب العمل الشعبي؛ لأنه كان يتبنى في البرلمان سياسات قومية تدافع عن المالايا وصفته بالتطرف؛ وهو ما زاد من شعبيته خاصة بين الشباب.

وبعد مواجهة عصيبة بين الاتحاد والأحزاب المعارضة تحول الاتحاد إلى تنظيم جديد هو الجبهة القومية التي ضمت بعض أحزاب المعارضة والتي فازت في انتخابات 1974 و1978، وفي عام 1974 فاز محاضير بعضوية البرلمان مرة أخرى وعين وزيرا للتعليم، ومن موقعه الجديد طبق ما أسماه "السياسة التعليمية الجديدة" ثم تولى وزارة الصناعة والتجارة بعد ذلك. وقد استكمل صعوده على السلم السياسي حتى وصل في النهاية إلى رئاسة الوزراء في 1981.
غير ان مهاتير سرعان ما اقنع قادة الحزب بقدراته، وصعد نجمه في الحياة السياسية بسرعة، وتولى رئاسة وزراء بلاده من عام 1981 لمدة 22 عاما، واتيحت له الفرصة كاملة ليحول افكاره الى واقع، بحيث اصبحت ماليزيا احد انجح الاقتصاديات في جنوب آسيا والعالم الاسلامي.

فقد تحولت ماليزيا من دولة زراعية تعتمد على انتاج وتصدير المواد الاولية، خاصة القصدير والمطاط، الى دولة صناعية متقدمة يساهم قطاعي الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج المحلي الاجمالي، وتبلغ نسبة صادرات السلع المصنعة 85% من اجمالي الصادرات، وتنتج 80% من السيارات التي تسير في الشوارع الماليزية.

وكانت النتيجة الطبيعية لهذا التطور ان انخفضت نسبة السكان تحت خط الفقر من 52% من اجمالي السكان في عام 1970، اي اكثر من نصفهم، الى 5% فقط في عام 2002، وارتفع متوسط دخل المواطن الماليزي من 1247 دولارا في عام 1970 الى 8862 دولارا في عام 2002، اي ان دخل المواطن زاد لاكثر من سبعة امثال ما كان عليه منذ ثلاثين عاما، وانخفضت نسبة البطالة الى 3%.

وجود رؤية للمستقبل
بالطبع لم يتحقق كل هذا من فراغ، بل كان وراءه مجموعة من السياسات التي جعلت ماليزيا تتمتع باحد افضل بيئات الاستثمار في جنوب آسيا حسب دراسات البنك الدولي. والاهم من ذلك هو ان الحكومة الماليزية كان لديها دائما تصور او رؤية للمستقبل.

ويرى عبد العزيز محمد المفوض الاعلى لماليزيا في بريطانيا في حوار مع بي بي سي آريبك اونلاين ان مهاتير لم يكن فقط سياسيا يتولى رئاسة الوزراء بل كان ايضا مفكر له كتبه ومؤلفاته، وصاحب رؤية لما ينبغي ان تكون عليه بلاده.

وابرز مثال على ذلك خطة 2020 التي يعتبر مهاتير مهندسها، والتي تقوم على فكرة ان تصبح ماليزيا بحلول هذا التاريخ دولة مكتملة البنيان الصناعي، وهو هدف يبدو شديد الطموح، لكن نجاح ماليزيا في النمو بنسبة 6.7% في الفترة من 1971 الى 1990، ثم بنسبة 7.1% في الفترة من 1991 الى 2000 يجعلها قادرة على تحقيق هذا الهدف اذا كررت نفس السيناريو.

سياسة الاتجاه الى الشرق
يقول مهاتير محمد في آخر تقرير له عن الموازنة العامة قبل تقاعده كرئيس للوزراء ان حكومته ادركت تماما اهمية اعتناق قيم ايجابية لتحقيق التقدم المنشود، ولهذا اعتنق منذ 22 عاما سياسة النظر الى الشرق، والمقصود بها اعتناق قيم العمل السائدة في اليابان وكوريا التي تقوم اساسا على الانضباط الشديد والاخلاص التام لجهة العمل، والحرص على اختيار المديرين ليكونوا قدوة لموظفيهم.


مهاتير اختار بدوي بعد خلافه مع سابقيه
وقد يبدو هذا مخالفا لمفهوم البحث عن قيم التطور في الغرب عموما والولايات المتحدة بشكل خاص، لكن مهاتير رأى دائما ان ثقافة العمل في اليابان بشكل خاص هي الانسب لثقافة وتكوين بلاده.

ازمة 1997
اكد مهاتير دائما رفضه لفكرة العولمة حسبما تقدمها او تفسرها الولايات المتحدة، ذلك لانها ستؤدي الى فتح اسواق الدول النامية امام الشركات الامريكية العملاقة التي لا تقوى مؤسسات الدول النامية على منافستها، وينتهي الامر باستمرار احتكار الشركات الكبرى.

ويرى مهاتير انه لا يجب ان تقبل اي افكار او سياسات لمجرد انها صادرة من الغرب، وطبق افكاره عمليا عندما رفض تطبيق السياسات التي اوصى بها صندوق النقد الدولي اثناء ازمة الاسواق الآسيوية التي طالت دول منطقة جنوب آسيا بما فيها ماليزيا.

فقد تعرضت العملة الماليزية، وهي الرينجيت، الى مضاربات واسعة بهدف تخفيض قيمتها، وظهرت عمليات تحويل نقدي واسعة الى خارج ماليزيا، وبدا ان النجاح الذي حققته على وشك التحول الى فشل.

وبعد بحث مستفيض للموضوع، اصدر مهاتير مجموعة قرارات تهدف الى فرض قيود على التحويلات النقدية خاصة الحسابات التي يملكها غير المقيمين، وفرض اسعار صرف محددة لبعض المعاملات، وهذا يخالف سياسة تعويم العملة التي يصر عليها صندوق النقد الدولي دائما.

ورغم ضغوط الصندوق، اصر مهاتير على سياسته التي اثبتت الايام انها كانت ناجحة حتى ان دولا كثيرة تدرسها وتحاول تكرارها. لكن وسائل الاعلام العالمية، حسبما يقول مهاتير، ترفض الاعتراف بالنجاح الذي حققته ماليزيا في مواجهة الازمة المالية الآسيوية، ولا تظهره بالشكل الكافي.

توزان بين الاعراق
من الامور اللافتة للنظر في تجربة ماليزيا قدرة المجتمع الماليزي على تجنب الصراعات والخلافات بين المجموعات العرقية الثلاثة المكونة للسكان البالغ عددهم 24 مليون نسمة، وهي المالايو الذين يمثلون 58% من السكان، والصينيون الذين تبلغ نسبتهم 24%، والهنود البالغ نسبتهم 7%.


مهاتير في اليوم الاخير لرئاسة الوزراء
ويقول عبد العزيز محمد انه اثر الصدامات العرقية التي وقعت عام 1969، ادرك الماليزيون ان استمرارها يعني ان يخسر الجميع، ومن ثم استطاع قادة المجموعات العرقية ايقاف هذه الصدامات بحيث لم تتكرر بعدها الى اليوم.

ويضيف ان التحالف الحاكم يضم 14 حزبا تمثل مختلف المجموعات العرقية، وهذا يعني ان المالايو، وهم الاغلبية، قبلوا المشاركة في السلطة لا الاستئثار بها. وهذه المشاركة هي التي ضمنت انتقال السلطة بسهولة من مهاتير الى خليفته اذ انه انتقال داخل اطار النظام وليس تغييرا للنظام.

مشكلات سياسية
اوضح تقرير خاص لمجلة الايكونومسيت عن تجربة ماليزيا في عهد مهاتير محمد انه على الرغم من النجاح الاقتصادي الذي تحقق، الا ان تركيز كل السلطات في يد مهاتير لم يسمح بتطور التجربة الديمقراطية في ماليزيا، كما لم يسمح بظهور اي زعيم قوي، وبدا الامر وكأن مهاتير لن يتقاعد ابدا.

لقد اختار مهاتير في عام 1986 صديقه لسنوات طويلة موسى هيتلم نائبا له، الا انه استقال بعد خمس سنوات بسبب خلافه المستمر مع مهاتير، ووصفه الاسبوع الماضي بانه "رجل عنيد جدا".

ثم اختار مهاتير انور ابراهيم للمنصب الشاغر، وتكرر السيناريو ليرحل ابراهيم بعد خمس سنوات اثر خلافات حادة مع مهاتير، لكن الرحيل هذه المرة كان مدويا اذ صحبته اتهامات لابراهيم بالفساد والشذوذ الجنسي انتهت به الى السجن حتى الآن.

ويرى كثير من المراقبين ان مهاتير قرر انهاء الحياة السياسية لابراهيم بهذه الاتهامات، التي انكرها ابراهيم باستمرار، بعد ان اشتد الخلاف بين الرجلين.

واخيرا وقع الاختيار على عبد الله بدوي لخلافة مهاتير، ويبدو ان بدوي تعلم من التجربتين السابقتين فعاش تحت ظلال مهاتير دون خلافات او مشكلات ظاهرة حتى تولى منصب رئيس الوزراء في مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2003.

وبالاضافة الى مشكلاته السياسية الداخلية اثار مهاتير ايضا جدلا سياسيا خارجيا مستمرا بآرائه التي ينتقد فيها الغرب بشكل عام والولايات المتحدة واستراليا بشكل خاص، واخيرا تصريحاته الشهيرة عن اليهود التي قال فيها ان اليهود يحكمون العالم بالوكالة ويرسلون غيرهم للموت نيابة عنهم.

ولكن هل يعني تنحي مهاتير عن منصبه انه سيتوقف عن ممارسة دور في الحياة السياسية الماليزية؟

يقارن تقرير "الايكونوميست" بين تجربة مهاتير في ماليزيا وتجربة رئيس وزراء سنغافورة السابق لي كون يو الذي حول جزيرته الصغيرة الى عملاق اقتصادي وصناعي، واستمر في الهيمنة على الحياة السياسية في بلاده بعد تقاعده.

ونظرا لان مهاتير عبر دائما عن اعجابه بتجربة لي كون فمن الممكن ان يسلك مسلكه ويستمر في ممارسة دور في الحياة السياسية لبلاده.

وهذا يعني انه ربما يكون هناك فصل آخر في تجربة مهاتير قد يتم عرضه في السنوات القادمة.
http://www.11c11.com/vb/archive/index.php/t-11205.html

10 août 2008

المعلم الياباني

يحظى المعلم الياباني بالاحترام الواسع في جميع طبقات المجتمع حتى أنه قديماً كان يصل إلى حد التقديس " خلال حكم ميجي وفترة ما قبل الحرب " . أما في الوقت الحالي فعندما يدخل المدرس إلى الفصل يقف جميع الطلاب وينحنون احتراماً كبيراً – وهذا يخالف الشرع الاسلامي كما يقول البعض – ثم يقول الطلاب العبارة التالية " يا معلمنا نرجو أن تتفضل علينا وتعلمنا " وهو رجاء يفوق الاحترام العادي لأن مدلول كلمة " سيسني " في اللغة اليابانية له معنى أدق وأعمق في المبالغة في الاحترام ولهذايعتبر فخرياً يطلق على الأطباء وأعضاء البرلمان ( مجلة المعرفة عدد 20 ص 110 ) ، ( التجربة اليابانية ص 150 ) .
أما عندنا فالواقع مرير ، حيث السخرية من بعض الطلاب وعدم الانصات لمعلميهم تصيبهم بالاحباط الشديد ، فإن لم تكن مادة المعلم من الوزن الثقيل فيتحول الفصل لسوق حراج ، ولو رجعنا لسجل زيارات المشرفين التربويين لوجدنا مدى أهمية إلحاق المعلمين بدورة بالإدارة الصفية .
ولذلك تنال مهنة التعليم في اليابان اقبالاً كبيراً ويشتد التنافس على الالتحاق بالبرامج المتميزة لاعداد المعلمين ويقدر عدد الذين يحصلون على مؤهلات عليا للتدريس بـ 30% من مجموع خريجي الجامعات اليابانية .
وقد وضعت الكاتبة الأمريكية " ميري هوايت " في كتابها " التجربة اليابانية " عنوناً مميزاً للفصل الخامس وهو " هل هي جنة المعلمين ؟ " أي المدارس اليابانية .
نحن تعتبر مدارسنا المسأجرة جحيم التعليم ، فلا بيئة صالحة للتعليم ولامجال لأن ينفس الطالب عن طاقته الحركية فيها ، في الوقت الذي يخرج علينا من يسخر بالمعلم عن طريق رسوم الكاركاتير وغير ذلك !! مما يولد لدى الطالب قناعة مطلقة بأن المعلم وظيفة من لا وظيفة له ، وكتب التراث التي تعنى بالسخرية والنكت على المعلمين هي تجارة رابحة لاصحاب المكتبات .
نواصل في الحلقة القادمة .

--------------------
http://edueast.gov.sa/vb/index.php?showtopic=1462

العقول الصغيرة تناقش الأشخاص،و العقول المتوسطة تناقش الأشياء،و العقول الكبيرة تناقش المبادئ .....حكيم صيني 

10 août 2008

قراءة في التجربة اليابانية - التعليم أنموذجا

قراءة في التجربة اليابانية - التعليم أنموذجا
قضايا فكرية
الخميس 28/4/2005م
أ.د مصطفى رجب

إذا أمعنا النظر في التجربة اليابانية, فإننا لانندهش من هذا التقدم الذي يقف أمامه العالم كله مذهولا, مندهشا, متسائلا, ففي أميركا وأوروبا وروسيا:

يعكف أهل العلم والتقدم والتكنولوجيا على دراسة الإنجاز الاستثنائي لهذا البلد الشرقي الذي ينافسهم في أمضى أسلحتهم ومخترعاتهم, كما يثير تقدم اليابان دهشة الشرقيين وإعجابهم, دون أن يتمكنوا من اللحاق به على كثرة ما حاولوا وجربوا.‏

ولولا دخول اليابان الصراعات العسكرية- لوجدناها قوة اقتصادية قبل الولايات المتحدة الأميركية بكثير-فقد دخلت حروبا طويلة ومتعددة مع روسيا والصين وكوريا فضلا عن الحربين العالميتين: الأولى والثانية.‏

ونحن العرب نتساءل: لماذا تعنينا اليابان وهي في شرق آسيا, وبيننا وبينها أميال بعيدة?‏

والواقع هو أن لدينا- نحن العرب- أهمية خاصة لدراسة تجربة اليابان للأسباب التالية:‏

1- اليابانيون قوم شرقيون مثلنا بدؤوا مسيرتهم نحو التقدم من واقع العزلة والتخلف الحضاري كما بدأنا في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي, ولكن شتان ما بين بداية وبداية, فلماذا هذا الفارق الشاسع بيننا?!!‏

2- اليابان حققت التحديث والتقدم بالمحافظة على تراثها وتقاليدها ومؤسساتها القومية والدينية الأصلية والعرب يريدون أن يحققوا التقدم والتنمية دون التضحية بتراثهم وتقاليدهم لكنهم لم يتمكنوا حتى الآن لا من تحقيق المطلب الأول وهو التقدم, ولامن الحفاظ على التراث كما يجب!!‏

3- اليابان تمثل طليعة قوة بشرية حضارية هائلة جديدة توشك أن تتسلم زمام القيادة العالمية من الجنس الأبيض, وهي قوة شرقية ليست لها أطماع بالنسبة لنا.. ونحن العرب نقف هنا موقف المتفرج المشجع كما في كرة القدم بين فريق اللباس الأبيض وبين اللباس الأصفر.. ألم يحن الوقت لكي نلبس لباس العروبة وننزل أرض الملعب ونتقدم نحو الهدف المنشود?!!‏

إن العلماء المختصين يعزون هذا التقدم الذي حدث في اليابان إلى دعامتين هما:‏

أ- وجود حكومة قوية.‏

ب- وجود نظام تربوي ناجح ويعنينا الآن الدعامة الثانية (التعليم) والتعرف على كينونة هذا النظام وكيفية إدارته وتنظيمه والسلم التعليمي له وعلاقة هذا النظام بالتقدم المذهل الذي يحدث في اليابان.‏

فلقد وضع القانون الأساسي للتعليم في عام 1872م. بعد ثورة الميجي وتأييدها للتعليم. ولقد حقق التعليم الياباني تقدما مذهلا عام 1880م. حين كان نظام التعليم الحديث في اليابان لا يزال في المهد, فكانت نسبة الالتحاق بالمعاهد التعليمية من إجمالي عدد السكان تقف عند 41,1% فقط للتعليم الابتدائي 1% للتعليم الثانوي و3% للتعليم العالي.. بيد أنه في عام 1997م. كانت النسبة قد بلغت 99,9% للتعليم الابتدائي وأكثر من 95% للتعليم الثانوي, كما ارتفعت النسبة في التعليم العالي إلى أكثر من 80% متجاوزة بذلك نسب الالتحاق في بريطانيا وفرنسا ودول أوروبا الغربية الأخرى, ومن ثم فإن مستوى التعليم الياباني يعد من أعلى المستويات في العالم.‏

وينقسم السلم التعليمي في اليابان إلى أربع مراحل هي كالتالي:‏

مرحلة رياض الأطفال: من سن ثلاث سنوات إلى خمس, وهي المرحلة السابقة للمدرسة ولقد أسست أول دار حضانة في عام 1876م. وتهدف دور الحضانة ورياض الأطفال في اليابان إلى تهيئة الأطفال للمدرسة وإلى مساعدتهم على النمو العقلي والجسمي السليمين من خلال تنمية قدرتهم على التفكير والسلوك والقدرة على التعبير وتقديم الأنشطة التي يحتاجها الأطفال.‏

مرحلة التعليم الابتدائي:ويقيد بهذه المرحلة جميع الأطفال الذين بلغوا السنة السادسة, وتهدف تلك المرحلة من التعليم إلى إتاحة الفرصة للأطفال للنمو المتكامل طبقا لقدراتهم الجسمية والعقلية والنفسية.‏

مرحلة التعليم الثانوي:وتنقسم هذه المرحلة إلى مستويين (المدرسة الثانوية الدنيا) وتقابل مرحلة التعليم المتوسط (الإعدادي) في الدول العربية و(المدرسة الثانوية العليا) أما مرحلة التعليم الثانوي الدنيا, فيدخل بها جميع الأطفال الذي أنهوا المرحلة الابتدائية إجبارا ومدة الدراسة بها ثلاث سنوات.‏

أما المرحلة الثانوية العليا فيلتحق بها الطلاب بعد امتحان مسابقة صعب, ويضم هذا التعليم ثلاثة أنواع من الدراسة: دراسة كل الوقت, ودراسة بعض الوقت, ودراسة بالمراسلة, ويهدف هذا النوع من التعليم إلى مد الطلاب بالمعلومات الأكاديمية والفنية التي تتناسب مع قدراتهم الجسمية والعقلية ومدة الدراسة بها ثلاث سنوات بالنسبة لمدارس الوقت الكامل, وأربع سنوات في مدارس المراسلة ومدارس بعض الوقت, والدراسة إما نهارية أو ليلية.‏

مرحلة التعليم العالي:وهي المرحلة التالية للتعليم الثانوي والدراسة بها متنوعة لمدة أربع سنوات أو خمس على حسب نوع الكلية.‏

أما بالنسبة لإدارة التعليم فيمكن القول بصفة عامة : إن إدارة التعليم تتقاسمها الحكومة القومية والحكومات المحلية, فوزارة التعليم مسؤولة عن إدارة الخدمات الحكومية على المستوى القومي وجميع المستويات التعليمية بما فيها المستوى الثالث كما أن بعض المحافظين ومديري الجامعات الإقليمية والكليات لهم بعض المسؤوليات التعليمية.‏

ولنا بعد كل ذلك أن نلاحظ أن عملية تعميم التعليم الابتدائي وزيادة مدة الإلزام لم تتم بطريقة عشوائية بل تمت وفق تخطيط دقيق خلال مراحل ثلاث بدءا من عام 1886م.‏

حتى أصبح في الإمكان زيادة الإلزام إلى ست سنوات في عام .1908 ثم أخذ بالنظام الأميركي في عام 1947م. فأضيفت المدرسة الثانوية الدنيا إلى التعليم الإلزامي وبذلك أصبح التعليم الإجباري لمدة تسع سنوات وبإمكانية استيعاب تجاوزت 99,9%.‏

وإذا كانت الإحصائيات قد أشارت إلى أن اليابان قد أسرفت في استثماراتها في التعليم بالنسبة لنصيب الفرد من الدخل القومي, فإن سرعة التنمية الاقتصادية ووصول اليابان إلى مستوى اقتصادي وتكنولوجي كبير يوحي بوجود رابطة سببية بين القوى العاملة المتعلمة والنمو الاقتصادي هو ما بدأته اليابان حينما وضعت استثماراتها الضخمة في تنمية نظامها التعليمي فكانت نتيجة ذلك ما حققته من تقدم اقتصادي كبير.‏

كما أن ارتباط مدارس رياض الأطفال بالسلم التعليمي منذ البداية كان له تأثيره في تطوير وتنمية النظام التعليمي وبذلك كانت اليابان دولة رائدة في هذا النوع من التعليم ليس في آسيا فقط بل في العالم أجمع.‏

ثم يبقى أمامنا -نحن العرب- هذا السؤال المحرج قائما: لماذا هذا النجاح الكبير للتجربة التربوية في اليابان?‏

إن نجاح اليابان بصفة عامة يرجع إلى اليابانيين الذين تحركهم إرادة عنيدة نحو التقدم ويتملكهم حب كل ماهو جديد, ويتمتعون بقدرة على العمل الذي لايعرف الكلل في سبيل النجاح وبنظام وارتباط مدهشين.‏

وحين نتتبع تفاصيل النظام داخل المدرسة اليابانية, فإننا نجد أنفسنا أمام ظاهرة توفير واستثمار تربوي وتعليمي عجيب, من جانب المواطنين أنفسهم, كأولياء أمور, ومن جانب الإدارة المدرسية, ولايمكن تفسير هذه الظاهرة بالرغبة في الترقي الاجتماعي فحسب, وإنما يكمن التفسير في رغبة اليابانيين الخالصة في التعليم والرقي, فالشعب الياباني هو العامل المهم وراء نجاح تلك التجربة بحبه للقراءة وللعلم وللفنون, وقبل كل ذلك حبه لبلده وانتمائه لها بكل وجدانه وبكل جوارحه. ألم يحن الوقت للاستفادة من تلك التجربة?‏

ألم يحن الوقت لكي نصحو من غفوتنا.. تلك الغفوة التي طالت كثيرا كثيرا?‏

أستاذ زائر في جامعة اليرموك- الأردن‏

Publicité
Publicité
1 2 > >>
مدونة عبد الله ورد
Publicité
مدونة عبد الله ورد
Archives
Derniers commentaires
Publicité